وقوله سبحانه : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) : قيل : هو لفظ عامّ ، أمر صلىاللهعليهوسلم أن يبشّر أمته جميعا بالخير من الله ، وقيل : بل هذه الألفاظ خاصّة لمن لم يغز ، أي : لما تقدّم في الآية وعد المجاهدين وفضلهم ، أمر صلىاللهعليهوسلم ، أن يبشّر سائر المؤمنين ممّن لم يغز بأنّ الإيمان مخلّص من النّار ، والحمد لله رب العالمين.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١١٦)
وقوله سبحانه : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ...) الآية : جمهور المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في شأن أبي طالب ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل عليه حين احتضر ، فوعظه ، وقال : «أي عمّ ؛ قل لا إله إلّا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله» ، وكان بالحضرة أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة ، فقالا له : يا أبا طالب ؛ أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فقال أبو طالب : يا محمّد ، والله ، لو لا أنّي أخاف أن يعيّر بها ولدي من بعدي ، لأقررت بها عينك ، ثمّ قال : هو على ملّة عبد المطّلب ، ومات على ذلك ؛ إذ لم يسمع منه صلىاللهعليهوسلم ما قال العبّاس ، فنزلت (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص : ٥٦] فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والله ، لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فكان يستغفر له حتّى نزلت هذه الآية (١) ، فترك نبيّ الله الاستغفار لأبي طالب ، وروي أنّ المؤمنين لما رأوا نبيّ الله يستغفر لأبي طالب ، جعلوا يستغفرون لموتاهم ، فلذلك دخلوا في النّهي ، والآية على هذا ناسخة
__________________
(١) أخرجه البخاري (٣ / ٢٦٣) كتاب «الجنائز» باب : إذا قال المشرك عند الموت : لا إله إلّا الله ، حديث (١٣٦٠) ، وفي (٧ / ٢٣٢) كتاب «مناقب الأنصار» باب : قصة أبي طالب ، حديث (٣٨٨٤) ، وفي (٨ / ١٩٢) كتاب «التفسير» باب : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، حديث (٤٦٧٥) وفي (٨ / ٣٦٥) كتاب «التفسير» باب : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، حديث (٤٧٧٢) وفي (١١ / ٥٧٥) كتاب «الأيمان والنذور» ، حديث (٦٦٨١) ، ومسلم (١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥) ـ شرح النووي ، كتاب «الإيمان» باب : الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ، حديث (٣٩ / ٢٤) ، والنسائي (٤ / ٩٠ ـ ٩١) كتاب «الجنائز» باب : النهي عن الاستغفار للمشركين ، حديث (٢٠٣٥) ، وأحمد (٥ / ٤٣٣) ، والطبري (٦ / ٤٨٨) رقم : (١٧٣٣٩) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣) كلهم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه به ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٠٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، وابن مردويه.