وقوله : (تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) : يريد : تفريقا بين الجماعة التي كانت تصلّي في مسجد «قباء» ، فإن من جاور مسجدهم كانوا يصرفونه إليه ، وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان ، وقيل : أراد بقوله : (بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) جماعة مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروي : أنّ مسجد الضّرار ، لمّا هدم وأحرق ، اتخذ مزبلة ترمى فيه الأقذار والقمامات ، وروي : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما نزلت : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) كان لا يمرّ بالطريق التي هو فيها.
وقوله : (لَمَسْجِدٌ) : قيل : إن اللام لام قسم ، وقيل : هي لام ابتداء ، كما تقول : لزيد أحسن النّاس فعلا وهي مقتضية تأكيدا ، وذهب ابن عباس وفرقة من الصحابة والتّابعين إلى أنّ المراد ب «مسجد أسس على التقوى» : مسجد «قباء» (١) وروي عن ابن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت ؛ أنه مسجد النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٢) ويليق القول الأول بالقصّة إلّا أن القول الثاني مرويّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولا نظر مع الحديث ، قال ابن العربي (٣) في «أحكامه» : وقد روى ابن وهب وأشهب ، عن مالك ؛ أن المراد ب «مسجد أسس على التقوى» : مسجد النبيّ صلىاللهعليهوسلم حيث قال الله تبارك وتعالى : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) [الجمعة : ١١] وكذلك روى عنه ابن القاسم ، وقد روى الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يوم ، فقال رجل : هو مسجد «قباء» ، وقال الآخر : هو مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هو مسجدي هذا». قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح ، وخرّجه مسلم (٤) انتهى.
ومعنى : (أَنْ تَقُومَ فِيهِ) : أي : بصلاتك وعبادتك.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٤٧٤) برقم : (١٧٢٢٦ ـ ١٧٢٢٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٨٢)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٤٧٣) برقم : (١٧٢١٦ ـ ١٧٢١٧) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٨٢) ، والبغوي : (٢ / ٣٢٧)
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٢ / ١٠١٤)
(٤) أخرجه مسلم (٢ / ١٠١٥) كتاب «الحج» باب : بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، حديث (٥١٤ / ١٣٩٨) ، والترمذي (٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥) كتاب «الصلاة» باب : ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى ، حديث (٣٢٣) ، وفي (٥ / ٢٨٠) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة التوبة ، حديث (٣٠٩٩) ، وأحمد (٣ / ٨ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٩١) ، وابن أبي شيبة (٢ / ٣٧٢ ـ ٢٧٣) ، وأبو يعلى (٢ / ٢٧٢ ـ ٣٧٣) برقم : (٩٨٥) ، وابن حبان (١٦٠٦) ، والحاكم (٢ / ٣٣٤) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢ / ٥٤٤ ـ ٥٤٥) من طرق عن أبي سعيد الخدري به.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٧٧) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن خزيمة ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.