(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) ، وقرأ أهل المدينة ، نافع وغيره الّذين اتّخذوا ـ بإسقاط الواو ـ ؛ على أنه مبتدأ ، والخبر : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) وأما الجماعة المرادة ب (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) ، فهم منافقو بني غنم بن عوف ، وبني سالم بن عوف ، وأسند الطبريّ (١) ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري وغيره ، أنه قال : أقبل النبيّ صلىاللهعليهوسلم من غزوة تبوك ، حتى نزل بذي أوان ـ بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ـ وكان أصحاب مسجد الضّرار ، قد أتوه صلىاللهعليهوسلم وهو يتجهّز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ؛ إنا قد بنينا مسجدا ؛ لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة ، وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه ، فقال : «إني على جناح سفر ، وحال شغل ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم ، فصلّينا لكم فيه» ، فلمّا قفل ، ونزل بذي أوان ، نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضّرار ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مالك بن الدّخشن ومعن بن عديّ ، أو أخاه عاصم بن عديّ ، فقال : «انطلقا إلى هذا المسجد الظّالم أهله ، فاهدماه ، وحرّقاه» فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه (٢) ، وذكر النّقّاش أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بعث لهدمه وتحريقه عمّار بن ياسر ووحشيّا مولى المطعم بن عديّ ، وكان بانوه اثني عشر رجلا ، منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتّب بن قشير ، ونبتل بن الحارث وغيرهم ، وروي أنه لما بنى صلىاللهعليهوسلم مسجدا في بني عمرو بن عوف وقت الهجرة ، وهو مسجد «قباء» وتشرّف القوم بذلك ، حسدهم حينئذ رجال من بني عمّهم من بني غنم بن عوف ، وبني سالم بن عوف ، وكان فيهم نفاق ، وكان موضع مسجد «قباء» مربطا لحمار امرأة من الأنصار ، اسمها : ليّة ، فكان المنافقون يقولون : والله لا نصبر على الصّلاة في مربط حمار ليّة ، ونحو هذا من الأقوال ، وكان أبو عامر المعروف بالرّاهب منهم ، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة ، وكان سيّدا من نظراء عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، فلما جاء الله بالإسلام ، نافق ، ولم يزل مجاهرا بذلك ، فسمّاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفاسق ، ثم خرج في جماعة من المنافقين ، فحزّب على النبيّ صلىاللهعليهوسلم الأحزاب ، فلما ردّهم الله بغيظهم ، أقام أبو عامر ب «مكة» مظهرا لعداوته ، فلما فتح الله «مكة» ، هرب إلى «الطائف» ، فلما أسلم أهل الطائف ، خرج هاربا إلى الشام ، يريد قيصر مستنصرا به على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكتب إلى المنافقين من قومه أن ابنوا مسجدا ، مقاومة لمسجد «قباء» ، وتحقيرا له ، فإني سآتي بجيش من الروم ، أخرج به محمّدا ، وأصحابه من «المدينة» ، فبنوه وقالوا : سيأتي أبو عامر ويصلي فيه ، فذلك قوله : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني : أبا عامر ، وقولهم : سيأتي أبو عامر ، وقوله : (ضِراراً) أي : داعية للتضارر من / جماعتين.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٤٦٩) برقم : (١٧٢٠٠) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٨١)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠) برقم : (١٧٢٠٠) من طريق ابن إسحاق به.