ووكل سريرته إلى الله عزوجل ، وعلى هذا كان ستر المنافقين ، وإذا ترتّب كما قلنا التخيير في هذه الآية ، صحّ أنّ ذلك التخيير هو الّذي نسخ بقوله تعالى في «سورة المنافقين : [٦]» : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ).
* ت* : والظاهر أن الآيتين بمعنّى ، فلا نسخ ، فتأمّله ، ولو لا الإطالة لأوضحت ذلك.
قال* ع (١) * : وأما تمثيله بالسبعين دون غيرها من الأعداد ، فلأنه عدد كثيرا ما يجيء غاية ومقنعا في الكثرة.
وقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى امتناع الغفران.
وقوله عزوجل : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ ...) الآية : هذه آية تتضمّن وصف حالهم ، على جهة التوبيخ ، وفي ضمنها وعيد ، وقوله : (الْمُخَلَّفُونَ) : لفظ يقتضي تحقيرهم ، وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه / و «مقعد» : بمعنى القعود ، و «خلاف» : معناه : «بعد» ؛ ومنه قول الشاعر : [الطويل]
فقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى |
|
تأهّب لأخرى مثلها فكأن قد |
يريد : بعد الذي مضى.
وقال الطبريّ (٢) : هو مصدر : خالف يخالف ، وقولهم : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) : كان هذا القول منهم ؛ لأن غزوة تبوك كانت في شدّة الحرّ وطيب الثمار.
(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ)(٨٤)
وقوله سبحانه : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) ؛ إشارة إلى مدة العمر في الدنيا.
وقوله : (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) ؛ إشارة إلى تأبيد الخلود في النّار ، فجاء بلفظ الأمر ، ومعناه الخبر عن حالهم ، وتقدير الكلام : ليبكوا كثيرا ؛ إذ هم معذّبون ، جزاء بما كانوا يكسبون ،
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٦٤)
(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٤٣٥)