إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الثعالبي [ ج ٣ ]

201/549
*

عبد الله ، قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار متقلّدي السّيوف ، عامّتهم من مضر ، بل كلّهم من مضر ، فتمعّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثمّ خرج ، فأمر بلالا ، فأذّن وأقام ، فصلّى ثم خطب ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) إلى آخر الآية : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء : ١] والآية التي في سورة الحشر : و (اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر : ١٨] تصدّق رجل ؛ من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع برّه ، من صاع تمره ؛ حتّى قال : ولو بشقّ تمرة ، قال : فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، قال : ثمّ تتابع النّاس ، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب ؛ حتّى رأيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتهلّل كأنّه مذهبة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (١). انتهى.

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ)(٨١)

وقوله سبحانه : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) : المعنى : أنّ الله خيّر نبيّه في هذا ، فكأنه قال له : إن شئت فاستغفر لهم ، وإن شئت لا تستغفر ، ثم أعلمه أنّه لا يغفر لهم ، وإن استغفر سبعين مرّة ، وهذا هو الصحيح في تأويل الآية ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر : «إنّ الله قد خيّرني فاخترت ، ولو علمت أنّي إذا زدت على السّبعين يغفر لهم لزدت ...» (٢) الحديث ، وظاهر لفظ الحديث رفض إلزام دليل الخطاب ، وظاهر صلاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابن أبيّ أنّ كفره لم يكن يقينا عنده ، ومحال أن يصلّي على كافر ، ولكنه راعى ظواهره من الإقرار

__________________

(١) أخرجه مسلم (٢ / ٧٠٤ ـ ٧٠٥) كتاب «الزكاة» باب : الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة ، وأنها حجاب من النار ، حديث (٦٩ / ١٠١٧) ، والنسائي (٥ / ٧٥) كتاب «الزكاة» باب : التحريض على الصدقة ، حديث (٢٥٥٤) من حديث جرير.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٣٥) برقم : (١٧٠٤٥) عن ابن عباس.

وأخرجه عن مجاهد أيضا (٦ / ٤٣٤) برقم : (١٧٠٤٠ ، ١٧٠٤٣) بنحو حديث ابن عباس.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٧٢) وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر.