وقوله سبحانه : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) ، يريد ؛ فيما ذكره المفسّرون ، رجلا واحدا ، قيل : اسمه مخشيّ بن حمير ، قاله ابن إسحاق ، وذكر جميعهم أنّه استشهد باليمامة ، وقد كان تاب ، وتسمّى عبد الرحمن ، فدعا الله أن يستشهد ، ويجهل أمره ، فكان كذلك ، ولم يوجد جسده ، وكان مخشيّ مع المنافقين الذين قالوا : إنما كنا نخوض ونلعب ، فقيل : كان منافقا ، ثم تاب توبة صحيحة ، وقيل : كان مسلما مخلصا إلا أنه سمع المنافقين ، فضحك لهم ، ولم ينكر عليهم ، فعفا الله عنه في كلا الوجهين ، ثم أوجب العذاب لباقي المنافقين الّذين قالوا ما تقدّم.
(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٦٨)
وقوله سبحانه : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) : يريد : في الحكم والمنزلة في الكفر ، ولمّا تقدّم قبل : (وَما هُمْ مِنْكُمْ) [التوبة : ٥٦] حسن هذه الإخبار ، و (يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) : أي : عن الصدقة ، وفعل الخير ، (نَسُوا اللهَ) : أي : تركوه ؛ حين تركوا اتّباع نبيّه وشرعه ، (فَنَسِيَهُمْ) : أي : فتركهم حين لم يهدهم ، والكفّار ؛ في الآية : المعلنون ، وقوله : (هِيَ حَسْبُهُمْ) : أي : كافيتهم.
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٧٢)
وقوله تعالى : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : أي : أنتم ، أيها المنافقون ، كالذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوة ، فعصوا ؛ فأهلكوا ، فأنتم أولى بالإهلاك لمعصيتكم وضعفكم ، والخلاق : الحظّ من القدر والدين وجميع حال المرء ، فخلاق المرء : الشيء الذي هو به خليق ، والمعنى : عجّلوا حظّهم في دنياهم ، وتركوا الآخرة ، فاتبعتموه أنتم ، (أُولئِكَ