ألْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ)(٦٤)
وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) الآية : (يُحادِدِ) : معناه : يخالف ويشاقّ.
وقوله سبحانه : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) : (يَحْذَرُ) : خبر عن حال قلوبهم.
وقال الزّجّاج (١) وغيره : «يحذر» : الأمر ، وإن كان لفظه لفظ الخبر ؛ كأنه قال : «ليحذر».
وقوله سبحانه : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) : لفظه لفظ الأمر ، / ومعناه التهديد ، ثم أخبر سبحانه ؛ أنّه مخرج لهم ما يحذرونه إلى حين الوجود ، وقد فعل ذلك تبارك وتعالى في «سورة براءة» ، فهي تسمّى «الفاضحة» ؛ لأنها فضحت المنافقين.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)(٦٦)
وقوله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ...) الآية : نزلت على ما ذكر جماعة من المفسّرين في وديعة بن ثابت ؛ وذلك أنه مع قوم من المنافقين كانوا يسيرون في غزوة تبوك ، فقال بعضهم : هذا يريد أن يفتح قصور الشام ، ويأخذ حصون بني الأصفر ، هيهات هيهات! فوقفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، وقال لهم : قلتم كذا وكذا ، فقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب ، وذكر الطبريّ (٢) عن عبد الله بن عمر ؛ أنه قال : رأيت قائل هذه المقالة «وديعة» متعلّقا بحقب ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم يماشيها ، والحجارة تنكبه ، وهو يقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقوله : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) ، ثم حكم سبحانه عليهم بالكفر ، فقال لهم : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ) (٣) الآية.
__________________
(١) ينظر ؛ «معاني القرآن» (٢ / ٤٥٩)
(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٤٠٩)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٠٩) برقم : (١٦٩٢٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥٥) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.