قال الفخر (١) : قوله : (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي : يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء ، ومن هذا يقال : جمح الفرس ، وفرس جموح ، وهو الذي إذا حمل ، لم يردّه اللجام ، انتهى.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ)(٥٩)
وقوله عزوجل : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ ...) الآية : أي : ومن المنافقين من يلمزك ، أي : يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة |
|
وإن أغيب فأنت الهامز اللّمزة (٢) |
ومنه قوله سبحانه : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١] وقوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...) الآية : المعنى : لو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم ، وما أعطاهم على يد رسوله ، وأقرّوا بالرغبة إلى الله ، لكان خيرا لهم ، وحذف الجواب ، لدلالة ظاهر الكلام عليه ، وذلك من فصيح الكلام وإيجازه.
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٦٠)
وقوله سبحانه : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ...) الآية : (إِنَّمَا) في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف الصدقات على الثمانية الأصناف ، وإنما أختلف في صورة القسمة ، ومذهب مالك وغيره ؛ أنّ ذلك على قدر الاجتهاد ، وبحسب الحاجة ، وأما الفقير والمسكين ، فقال ابن عبّاس والحسن ومجاهد والزّهريّ وابن زيد وغيرهم : المساكين : الذين يسعون ويسألون ، والفقراء : الذين يتصاونون (٣) ، وهذا القول أحسن ما قيل في هذا ، وتحريره أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذلّ نفسه ، ولا يذلّ وجهه ؛ وذلك إما لتعفّف مفرط ،
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٦ / ٧٧)
(٢) البيت لزياد الأعجمي ، ينظر : «الكشاف» (٤ / ٧٩٥) ، «البحر المحيط» (٨ / ٥٠٩) ، و «القرطبي» (٢٠ / ١٢٤) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٦٨) ، و «فتح القدير» (٥ / ٤٩٤)
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٦ / ٣٩٥) برقم : (١٦٨٣٤ ـ ١٦٨٣٩) نحوه ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٨) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٠٢) ، والسيوطي (٣ / ٤٤٩) ، عن ابن عباس نحوه ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر والنحاس (٣ / ٤٥٠) عن الزهري بنحوه ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة.