قال الفخر (١) : أمّا كون كثرة الأموال والأولاد سببا للعذاب في الدنيا ، فحاصل من وجوه : منها : أن كلّما كان حبّ الإنسان للشيء أشدّ وأقوى ، كان حزنه وتألّم قلبه على فراقه أعظم وأصعب ، ثم عند الموت يعظم حزنه ، وتشتدّ حسرته ، لمفارقته المحبوب ، فالمشغوف بحبّ المال والولد لا يزال في تعب ، فيحتاج في اكتساب الأموال وتحصيلها إلى تعب شديد ومشقّة عظيمة ، ثم عند حصولها يحتاج إلى متاعب أشدّ وأصعب في حفظها وصونها ؛ لأن حفظ المال بعد حصوله أصعب من اكتسابه ، ثم إنه لا ينتفع ، إلّا بالقليل من تلك الأموال ، فالتعب كثير ، والنفع قليل ، ثم قال : واعلم أنّ الدنيا حلوة خضرة ، والحواسّ الخمس مائلة إليها ، فإذا كثرت وتوالت استغرقت فيها ، وانصرف الإنسان بكلّيته إليها ، فيصير ذلك سببا لحرمانه من ذكر الله ، ثم إنه يحصل في قلبه نوع قسوة وقوة وقهر ، وكلّما كان المال والجاه أكثر ، كانت تلك القسوة أقوى ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ، ٧] فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سبب قويّ في زوال حبّ الله تعالى وحبّ الآخرة من القلب ، وفي حصول الدنيا وشهواتها في القلب ، وعند الموت : كأنّ الإنسان ينتقل من البستان إلى السّجن ، ومن مجالسة الأقرباء والأحبّة إلى موضع الغربة والكربة ، فيعظم تألمّه ، ويقوى حزنه ، ثم عند الحشر : حلالها حساب ، وحرامها عقاب ، فثبت أن كثرة الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدّنيا والآخرة. انتهى.
ثم أخبر سبحانه ؛ أنهم ليسوا من المؤمنين ، / وإنما هم يفزعون منهم ، والفرق : الخوف.
وقوله سبحانه : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) : الملجأ من لجأ يلجأ ، إذا أوى واعتصم ، وقرأ الجمهور : «أو مغارات» ـ بفتح الميم (٢) ـ ، وهي الغيران في أعراض الجبال ، (أَوْ مُدَّخَلاً) ، معناه : السّرب والنّفق في الأرض ، وهو تفسير ابن عبّاس (٣) في هذه الألفاظ ، وقرأ جمهور الناس : «يجمحون» : ومعناه يسرعون.
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٦ / ٧٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٦) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٥٦) ، و «الدر المصون» (٣ / ٤٧٤)
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٩٢) برقم : (١٦٨٢٣ ـ ١٦٨٢٤) ، وابن عطية (٣ / ٤٦) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٣٦٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٤٧) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.