وإما لبلغة تكون له ، كالحلوبة وما أشبهها ، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلّل وخضوع وسؤال ، فهذه هي المسكنة ؛ ويقوّي هذا أن الله سبحانه قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة ، وقرنها بالذّلّة مع غناهم ، وإذا تأمّلت ما قلناه ، بان أنهما صنفان موجودان في المسلمين.
* ت* : وقد أكثر الناس في الفرق بين الفقير والمسكين ، وأولى ما يعوّل عليه ما ثبت في ذلك عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقد روى مالك ، عن أبي الزّناد (١) عن الأعرج (٢) عن أبي هريرة ؛ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان ، والتّمرة والتّمرتان ، إنّما المسكين الّذي ليس له غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدّق عليه ، ولا يقوم فيسأل النّاس» (٣) ، انتهى. وأوّل أبو عمر في «التمهيد» هذا الحديث ، فقال : كأنه أراد ـ والله أعلم ـ ليس المسكين على تمام المسكنة ، وعلى الحقيقة ، إلا الذي لا يسأل النّاس. انتهى.
__________________
(١) عبد الله بن ذكوان الأموي ، مولاهم ، أبو الزّناد المدني ، يكنى : أبا عبد الرحمن ، كان أحد الأئمة ، عن أنس ، وابن عمر ، وعمر بن أبي سلمة مرسلا. قال البخاري : أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة. قال الواقدي : مات فجأة سنة ثلاثين ومائة. قال الحافظ شمس الدين الذهبي : ولي بعض أمور بني أمية فتكلم فيه لأجل ذلك ، وهو ثقة حجة لا يعلق به جرح.
ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٥٣) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٦٧٩) ، «تهذيب التهذيب» (٥ / ٢٠٣) و «تقريب التهذيب» (١ / ٤١٣) ، «الكاشف» (٢ / ٨٤) ، «الثقات» (٧ / ٦)
(٢) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي ، مولاهم ، أبو داود المدني الأعرج ، القارئ عن أبي هريرة ، ومعاوية ، وأبي سعيد ، وعنه الزهري ، وأبو الزّبير ، وأبو الزّناد ، وخلق ، وثقه جماعة.
قال أبو عبيد : توفي سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية. ينظر ترجمته في : «الخلاصة» (٢ / ٥٣ ـ ٥٤) (٣٤٨٠)
(٣) ورد ذلك من حديث أبي هريرة ، وابن مسعود : فأما حديث أبي هريرة ، فأخرجه البخاري (٣ / ٣٩٨) في «الزكاة» باب : قول الله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (١٤٧٦ ، ١٤٧٩) ، و (٨ / ٥٠) في «التفسير» ؛ باب : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (٤٥٣٩) ، ومسلم (٢ / ٧١٩ ـ ٧٢٠) في «الزكاة» ، باب : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن له ، فيتصدق عليه (١٠١ ـ ١٠٢ ـ ١٠٣٩) ، وأبو داود (١ / ٥١٣) في «الزكاة» باب : من يعطى من الصدقة وحد الغنى (١٦٣١ ـ ١٦٣٢) ، والنسائي (٥ / ٨٦) في «الزكاة» باب : تفسير المسكين ، ومالك (٩٢٣١٢) في صفة النبي صلىاللهعليهوسلم باب : ما جاء في المساكين (٧) ، وأحمد (٢ / ٢٦٠ ، ٣١٦ ، ٣٩٣ ، ٣٩٥ ، ٤٥٧ ، ٤٦٩) ، والدارمي (١ / ٣٧٩) في «الزكاة» ، باب : المسكين الذي يتصدق عليه ، وأبو يعلى (٦٣٣٧) ، والحميدي (١٠٥٩) ، والبيهقي (٧ / ١١) من طرق عنه. وأما حديث ابن مسعود ، فأخرجه أحمد (١ / ٣٨٤ ، ٤٤٦) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ١٠٨) ، وأبو يعلى (٥١١٨) عن إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود مرفوعا به. قال الهيثمي (٣ / ٩٥) : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح.