ونظرنا لأنفسنا ، ثم أمر تعالى نبيّه ، فقال : قل لهم يا محمّد : (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) ، وهو إما ظفرا وسرورا عاجلا ، وإما أن نستشهد فندخل الجنة ، وباقي الآية بيّن.
وقوله سبحانه : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) ، أي : قل للمنافقين ، و (الْحُسْنَيَيْنِ) : الظّفر ، والشّهادة.
وقوله : (أَوْ بِأَيْدِينا) ، يريد : القتل.
(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ)(٥٤)
وقوله سبحانه : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) الآية : سببها أنّ الجدّ بن قيس حين قال : ائذن لي ولا تفتنّي ، قال : إني أعينك بمالي (١) ، فنزلت هذه الآية فيه ، وهي عامّة بعده.
وقوله عزوجل : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ). وفي «صحيح مسلم» عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنه قال : «إنّ ثواب الكافر على أفعاله البرّة هو في الطّعمة يطعمها» (٢) ونحو ذلك ، وهذا مقنع لا يحتاج معه إلى نظر ، وأما أن ينتفع بها في الآخرة فلا ، و (كُسالى) : جمع كسلان.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)(٥٧)
وقوله سبحانه : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) الآية : حقّر في الآية شأن المنافقين ، وعلّل إعطاء الله لهم الأموال والأولاد ؛ بإرادته تعذيبهم بها في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة.
قال ابن زيد وغيره : تعذيبهم بها في الدّنيا هو بمصائبها ورزاياها ، هي لهم عذاب ؛ إذ لا يؤجرون عليها ، ومن ذلك قهر الشّرع لهم على أداء الزكاة والحقوق والواجبات.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم.