وقرأ جمهور الناس : و «يتوب» (١) ـ بالرفع ـ ، على القطع مما قبله ، والمعنى أن الآية استأنفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم.
وعبارة* ص* : و «يتوب» ، الجمهور بالرّفع على الاستئناف ، وليس بداخل في جواب الأمر ؛ لأن توبته سبحانه على من يشاء ليست جزاء على قتال الكفّار. انتهى.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(١٨)
وقوله عزوجل : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ...) الآية : خطاب للمؤمنين ؛ كقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ...) الآية [آل عمران : ١٤٢] ومعنى الآية : أظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان ، والمراد بقوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) ، أي : لم يعلم الله ذلك موجودا ؛ كما علمه أزلا بشرط الوجود ، وليس يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك ، و (وَلِيجَةً) : معناه : بطانة ودخيلة ، وهو مأخوذ من الولوج ، فالمعنى : أمرا باطنا مما ينكر ، وفي الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج ، قال الفخر (٢) : قال أبو عبيدة : كلّ شيء أدخلته في شيء ليس منه ، فهو وليجة ، وأصله من الولوج ، قال الواحديّ يقال : هو وليجة ، للواحد والجمع. انتهى.
وقوله سبحانه : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) ، إلى قوله : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ...) الآية ، لفظ هذه الآية الخبر ، وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد ، وروى أبو سعيد الخدريّ ؛ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا رأيتم الرّجل يعتاد المساجد ، فاشهدوا له بالإيمان» (٣).
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٩) ، و «الدر المصون» (٣ / ٤٥٢)
(٢) ينظر : «تفسير الرازي» (١٦ / ٦)
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ١٢) كتاب «الإيمان» باب : ما جاء في حرمة الصلاة ، حديث (٢٦١٧) ، وفي (٥ / ٢٧٧) كتاب «التفسير» باب : «ومن سورة التوبة» ، حديث (٣٠٩٣) ، وابن ماجه (١ / ٢٦٣) كتاب «المساجد» باب : لزوم المساجد وانتظار الصلاة ، حديث : (٨٠٢) ، وأحمد (٣ / ٦٨) ، والدارمي (١ / ٢٧٨) كتاب «الصلاة» باب : المحافظة على الصلوات ، وابن خزيمة (٢ / ٣٧٩) رقم : (١٥٠٢) ، وابن حبان (١٧٢١) ، والحاكم (٢ / ٣٣٢) ، والبيهقي (٣ / ٦٦) كتاب «الصلاة» باب : فضل المساجد ، ـ