وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٥)
وقوله سبحانه : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) ، قرّرت الآيات قبلها أفعال الكفرة ، ثم حضّ على القتال مقترنا بذنوبهم ؛ لتنبعث الحميّة مع ذلك ، ثم جزم الأمر بقتالهم في هذه الآية مقترنا بوعد وكيد يتضمّن النصر عليهم ، والظّفر بهم.
وقوله سبحانه : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) ، معناه : بالقتل والأسر ، و (وَيُخْزِهِمْ) ، معناه : يذلهم على ذنوبهم ، يقال : خزي الرجل يخزى خزيا ، إذا ذلّ من حيث وقع في عار ، وأخزاه غيره ، وخزي يخزى خزاية / إذا استحى ، وأما قوله تعالى : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) ، فيحتمل أن يريد جماعة المؤمنين ، لأن كلّ ما يهدّ من الكفر هو شفاء من همّ صدور المؤمنين ، ويحتمل أن يريد تخصيص قوم من المؤمنين ، وروي أنهم خزاعة ؛ قاله مجاهد والسّدّيّ (١) ، ووجه تخصيصهم أنهم الذين نقض فيهم العهد ، ونالتهم الحرب ، وكان يومئذ في خزاعة مؤمنون كثير ؛ ويقتضي ذلك قول الخزاعيّ المستنصر بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم : [الرجز]
ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا
وفي آخر الرجز :
وقتّلونا ركّعا وسجّدا (٢)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣٢) برقم : (١٦٥٥٤ ـ ١٦٥٥٧ ـ ١٦٥٥٨ ـ ١٦٥٥٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٣) ، والبغوي (٢ / ٢٧٣) رقم : (١٤) ، وابن كثير (٢ / ٣٣٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٩) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٢) والأبيات :
يا ربّ إنّي ناشد محمّدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
كنت لنا أبا وكنّا ولدا |
|
ثمّت أسلمنا ولم ننزع يدا |
فانصر هداك الله نصرا عبدا |
|
وادع عباد الله يأتوا مددا |
فيهم رسول الله قد تجرّدا |
|
أبيض مثل الشّمس ينمو صعدا |
إن سيم خسفا وجهه تربّدا |
|
في فيلق كالبحر يجري مزبدا |
إن قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
وزعموا أن لست تدعو أحدا |
|
وهم أذلّ وأقلّ عددا |
هم بيّتونا بالحطيم هجّدا |
|
وقتلونا ركّعا وسجّدا |
ذكر السيوطي في هذه الأبيات (٣ / ٢١٥) نقلا عن ابن إسحاق والبيهقي في «الدلائل» ، وانظر القرطبي (٨ / ٤٣) ، و «روح المعاني» (١٠ / ٤٤) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٧) ، والواحدي في «الوسيط» (٢ / ٤٨١ ـ ٤٨٢) ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٤ / ١٦١) ، وعزاه لأبي يعلى ، وينظر : «الاستيعاب» لابن عبد البر (٣ / ١١٧٥)