وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، مقصد هذه الآية وما بعدها : تبيين منازل المهاجرين والأنصار ، والمؤمنين الذين لم يهاجروا ، وذكر المهاجرين بعد الحديبية ، فقدّم أوّلا ذكر المهاجرين ، وهم أصل الإسلام ، وتأمّل تقديم عمر لهم في الاستشارة ، وهاجر : معناه / : هجر أهله وقرابته ، وهجروه ، (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) : هم الأنصار ، فحكم سبحانه على هاتين الطائفتين ؛ بأن بعضهم أولياء بعض ، فقال كثير من المفسّرين : هذه الموالاة : هي المؤازرة ، والمعاونة ، واتصال الأيدي ، وعليه فسّر الطبريّ الآية ، وهذا الذي قالوه لازم من دلالة لفظ الآية ، وقال ابن عبّاس وغيره : هذه الموالاة هي في المواريث (١) ؛ وذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم آخى بين المهاجرين والأنصار ، فكان المهاجريّ إذا مات ، ولم يكن له بالمدينة وليّ مهاجريّ ، ورثه أخوه الأنصاريّ ، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه ، وبين قريبه المهاجريّ ، ولا يرثه ، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...) الآية [الأنفال : ٧٥] ؛ وعلى التأويلين ، ففي الآية حضّ على الهجرة ، قال أبو عبيدة : الولاية ـ بالكسر ـ من وليت الأمر إليه ، فهي في السلطان ، وبالفتح هي من المولى ؛ يقال : مولى بيّن الولاية ـ بفتح الواو ـ.
وقوله سبحانه : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ) ، يعني : إن استدعى هؤلاء ـ المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم ـ (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) ؛ فلا تنصروهم عليهم ؛ لأنّ ذلك غدر ونقض للميثاق.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥)
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ؛ وذلك يجمع الموارثة والمعاونة والنّصرة ، وهذه العبارة تحريض وإقامة لنفوس المؤمنين ؛ كما تقول لمن تريد تحريضه : عدوّك مجتهد أي : فاجتهد أنت ، وحكى الطبريّ في تفسير هذه الآية (٢) ، عن
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩٤) برقم : (١٦٣٤٥) ، وابن عطية (٢ / ٥٥٥) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٦٤) ، وابن كثير (٢ / ٣٢٨) نحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧١) نحوه ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٢٩٧)