شئتم ، أخذتم فداء الأسرى ، ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم ، وإن شئتم ، قتلوا وسلمتم ، فقالوا : نأخذ المال ، ويستشهد منّا» (١) ، وذكر عبد بن حميد (٢) بسنده ؛ أنّ جبريل نزل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم بتخيير النّاس هكذا ؛ وعلى هذا ، فالأمر في هذا التخيير من عند الله ، فإنه إعلام بغيب ، وإذا خيّروا رضي الله عنهم ، فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ؛ فهذا يدّلك على صحّة ما قدّمناه ، أنّ العتب لهم إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة ؛ رغبة في أخذ المال ، وهو الذي أقول به ، وذكر المفسّرون أيضا في هذه الآيات تحليل / المغانم ، ولا أقول ذلك ؛ لأن تحليل المغانم قد تقدّم قبل بدر في السّريّة التي قتل فيها ابن الحضرميّ ، وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرّجال ؛ لأجل المال ، والذي منّ الله به فيها : إلحاق فدية الكافر بالمغانم التي تقدّم تحليلها ، وقوله سبحانه : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ...) الآية : قال ابن عبّاس ، وأبو هريرة ، والحسن ، وغيرهم : الكتاب : هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لهذه الأمة ، وقال مجاهد وغيره : الكتاب السابق : مغفرة الله لأهل بدر ، وقيل : الكتاب السابق : هو ألّا يعذب الله أحدا بذنب إلا بعد النّهي عنه ، حكاه (٣) الطبريّ.
قال ابن العربيّ في «أحكام القرآن» : وهذه الأقوال كلّها صحيحة ممكنة ، لكن أقواها ما سبق من إحلال الغنيمة ، وقد كانوا غنموا أوّل غنيمة في الإسلام حين أرسل النبيّ صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن جحش (٤). انتهى ، وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لو نزل في هذا الأمر عذاب ، لنجا منه عمر بن الخطّاب» (٥) ، وفي حديث آخر : «وسعد بن معاذ» ؛ وذلك أن رأيهما كان
__________________
(١) ذكره الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٩٢)
(٢) عبد بن حميد بن نصر الكشّي أبو محمد الحافظ مؤلف «المسند والتفسير» عن علي بن عاصم ، ومحمد بن بشر العبدي ، وعبد الرزاق ، والنضر بن شميل ، وخلائق ، وعنه مسلم ، والترمذي وخلق.
قال البخاري وقال عبد الحميد : أنبأنا عثمان بن عمر فذكر حديثا ، قيل : عبد الحميد هو عبد بن حميد ، قلت : روى الحديث مسلم ، عن عبد بن حميد.
قال ابن حبان : مات سنة تسع وأربعين ومائتين. قاله في «الخلاصة» (٢ / ١٨٨)
(٣) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ـ ٢٩٠)
(٤) عبد الله بن جحش الأسدي بن رياب ـ براء تحتانية وآخره موحدة ـ ابن يعمر الأسدي : حليف بني عبد شمس ، أحد السابقين.
قال ابن حبان : له صحبة ، وقال ابن إسحاق : هاجر إلى الحبشة ، وشهد بدرا ، ودفن هو وحمزة في قبر واحد ، وكان له يوم قتل نيف وأربعون سنة. ينظر : «الإصابة» (٤ / ٣١ ، ٣٣) ، «أسد الغابة» (٢٨٥٨) بتحقيقنا ، «الثقات» (٣ / ٢٣٧) ، «صفوة الصفوة» (١ / ٣٨٥) ، «حلية الأولياء» (١ / ١٠٨ ـ ١٠٩)
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٠٣) ، وعزاه إلى ابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.