الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين ، وهذا هو نسخ الأثقل بالأخفّ (١) ، وقوله : (لا يَفْقَهُونَ) : معناه : لا يفهمون مراشدهم ، ولا مقصد قتالهم ، لا يريدون به إلا الغلبة الدنيويّة ، فهم يخافون الموت ؛ إذا صبر لهم ، ومن يقاتل ؛ ليغلب ، أو يستشهد ، فيصير إلى الجنة ، أثبت قدما لا محالة.
وقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) : لفظ خبر في ضمنه وعد وحضّ على الصبر ، ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر ؛ بأنه يغلب.
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٩)
وقوله سبحانه : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ...) الآية : قال* ع (٢) * : هذه آية تتضمّن عندي معاتبة من الله عزوجل لأصحاب نبيّه عليهالسلام والمعنى : ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبيّ أسرى قبل الإثخان ؛ ولذلك استمرّ الخطاب لهم ب (تُرِيدُونَ) والنبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يأمر باستبقاء الرّجال وقت الحرب ، ولا أراد صلىاللهعليهوسلم قطّ عرض الدنيا ، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب ، وجاء ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الآية ؛ مشيرا إلى دخوله عليهالسلام في العتب ؛ حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش ، وأنكره سعد بن معاذ ، ولكنّه صلىاللهعليهوسلم شغله بغت الأمر ، وظهور النصر ؛ عن النهي ومرّ كثير من المفسّرين ؛ على أنّ هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ بأخذ الفدية ، حين استشارهم في شأن الأسرى ، والتأويل الأول أحسن ، والإثخان : هو المبالغة في القتل والجراحة ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) ، أي : مالها الذي يعز ويعرض ، والمراد : ما أخذ من الأسرى من الأموال ، (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، أي : عمل الآخرة ، وذكر الطبريّ وغيره ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال للنّاس : «إن
__________________
(١) اتفق الأصوليون على جواز نسخ الحكم بأخف أو مساو. واختلفوا في جوازه بأثقل. فالجمهور ذهب إلى جوازه عقلا ووقوعه شرعا ومنع ذلك طائفة منهم الإمام الشافعي رضي الله عنه مفترقين إلى فرقتين. فرقة منعت جوازه عقلا ووقوعه شرعا ، وفرقة منعت وقوعه شرعا فقط.
ينظر : «المعتمد» (١ / ٤١٦) «المحصول» (٧٦٦) (١ / ٣ / ٤٨٠) «المستصفى» (١ / ١٢٠) «التبصرة»» (٢٥٨) ، «شرح الكوكب» (٣ / ٥٥٠) «العدة» (٣ / ٧٨٥) «الإحكام للآمدي» (٣ / ١٢٦) «ميزان الأصول» (٢ / ١٠٠٠) «كشف الأسرار» (٣ / ١٨٧) «التلويح» (٢ / ٣٦) «فتح الغفار» (٢ / ١٣٤) «إرشاد الفحول» (١٨٨) «الإبهاج» (٢ / ٢٣٨)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٥١)