وقال ابن أبزى (١) : نزل قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ، وَأَنْتَ فِيهِمْ) بمكّة إثر قولهم : (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، ونزل قوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، عند خروج النبيّ صلىاللهعليهوسلم من مكّة في طريقه إلى المدينة ، وقد بقي بمكّة مؤمنون يستغفرون ، ونزل قوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ...) إلى آخر الآية ، بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم.
* ت* : وهذا التأويل بيّن ، وعليه اعتمد عياض في «الشّفا» قال : وفي الآية تأويل آخر ، ثم ذكر حديث التّرمذي ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنزل الله تعالى عليّ أمانين لأمّتي : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، فإذا مضيت ، تركت فيهم الاستغفار». انتهى.
قال* ع (٢) * : وأجمع المتأوّلون على أن معنى قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أن الله عزوجل لم يعذّب قطّ أمة ونبيّها بين أظهرها ، أي : فما كان الله ليعذّب هذه الأمة ، وأنت فيهم ، بل كرامتك لديه أعظم.
وقوله عزوجل : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) توعّد بعذاب الدنيا ، والضمير في قوله : (أَوْلِياءَهُ) : عائد على الله سبحانه ، أو على المسجد الحرام ، كلّ ذلك جيّد ، وروي الأخير عن الحسن (٣).
وقال الطبريّ (٤) : عن الحسن بن أبي الحسن أن قوله سبحانه : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) ناسخ لقوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
قال* ع (٥) * : وفيه نظر ؛ لأنه خبر لا يدخله نسخ.
(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ
__________________
(١) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث ، روى اثني عشر حديثا ، وعن أبي بكر ، وأبي ، وعن عمار.
قال البخاري : له صحبة ، وقال ابن أبي داود : تابعي.
ينظر : «تهذيب الكمال» (٢ / ٧٧٢) ، «تهذيب التهذيب» (٦ / ١٣٢) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (٢ / ١٢٣) ، «الكاشف» (٢ / ١٥٤) ، «الجرح والتعديل» (٥ / ٢٠٠٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢١)
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٥٢٢)
(٤) ينظر : «الطبري» (٦ / ٢٣٢)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢٣)