(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٤)
وقوله عزوجل : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ...) الآية : روي عن مجاهد وغيره : أن قائل هذه المقالة هو النّضر بن الحارث المذكور ، وفيه نزلت هذه الآية (١).
قال* ع (٢) * : وترتّب أن يقول النّضر مقالة ، وينسبها القرآن إلى جميعهم ؛ لأن النضر كان فيهم موسوما بالنّبل والفهم ، مسكونا إلى قوله ، فكان إذا قال قولا قاله منهم كثير ، واتّبعوه عليه ؛ حسب ما يفعله الناس أبدا بعلمائهم وفقهائهم.
* ت* : وخرّج البخاريّ بسنده ، عن أنس بن مالك ، قال : قال أبو جهل : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فنزلت : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ، إلى : (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣) اه ، والمشار إليه ب (هذا) هو القرآن وشرع محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد ، فعميت بصائرهم عن الهدى ، وصمّموا على أنّ هذا ليس بحقّ ، نعوذ بالله من جهد البلاء ، وسوء القضاء ، وحكى ابن فورك : أن هذه المقالة خرجت منهم مخرج العناد ، وهذا بعيد في التأويل ، ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل ، وقراءة الناس إنما هي بنصب (٤) «الحق» ؛ على أنه خبر «كان» ، ويكون «هو» فصلا ، فهو حينئذ اسم ، و «أمطر» إنما تستعمل غالبا في المكروه ، و «مطر» في الرحمة ؛ قاله أبو عبيدة (٥).
وقوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ...) الآية : قالت فرقة : نزلت هذه الآية كلّها بمكّة ، وقالت فرقة : نزلت كلّها بعد وقعة بدر ؛ حكاية عما مضى.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) برقم : (١٥٩٩٥ ، ١٥٩٩٩) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٢٠)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢٠)
(٣) أخرجه البخاري (٨ / ١٦٠) كتاب «التفسير» باب : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) برقم : (٤٦٤٩)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢١) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٨٢) ، و «الدر المصون» (٣ / ٤١٤)
(٥) ذكره ابن عطية (٢ / ٥٢١)