عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)(٣٦)
وقوله سبحانه : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ / الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) المكاء : الصّفير ؛ قاله ابن عباس (١) والجمهور ، والتصدية : عبّر عنها أكثر النّاس ؛ بأنها التصفيق ، وذهب أكثر المفسّرين إلى أن المكاء والتّصدية إنّما أحدثهما الكفّار عند مبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ لتقطع عليه وعلى المؤمنين قراءتهم وصلاتهم ، وتخلط عليهم ، فلما نفى الله تعالى ولايتهم للبيت ، أمكن أن يعترض منهم معترض بأن يقول : وكيف لا نكون أولياءه ، ونحن نسكنه ، ونصلّي عنده ؛ فقطع سبحانه هذا الاعتراض بأن قال : وما كان صلاتهم عند البيت إلا المكاء والتّصدية.
قال* ع (٢) * : والذي مرّ بي من أمر العرب في غير ما ديوان ؛ أنّ المكاء والتصدية كانا من فعل العرب قديما قبل الإسلام على جهة التقرّب به والتشرّع ؛ وعلى هذا يستقيم تغييرهم وتنقّصهم بأن شرعهم وصلاتهم لم تكن رهبة ولا رغبة ، وإنما كانت مكاء وتصدية من نوع اللعب ، ولكنّهم كانوا يتزيّدون فيهما وقت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ليشغلوه هو وأمته عن القراءة والصّلاة.
وقوله سبحانه : (فَذُوقُوا الْعَذابَ ...) الآية : إشارة إلى عذابهم ببدر بالسيف ؛ قاله الحسن وغيره (٣) ؛ فيلزم أن هذه الآية الآخرة نزلت بعد بدر ، ولا بدّ.
قال* ع (٤) * : والأشبه أنّ الكلّ نزل بعد بدر ؛ حكاية عما مضى.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) الآية : لما قتل من قتل ببدر ، اجتمع أبناؤهم وقراباتهم ، فقالوا لمن خلص ماله في العير : إن محمّدا قد نال منّا ما ترون ، ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الوقعة ، فلعلّنا أن ننال منه ثأرا ، يريدون نفقته في غزوة أحد.
وقوله سبحانه : (فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) ، الحسرة : التلهّف
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٣٨) برقم : (١٦٠٣٧ ـ ١٦٠٣٨) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٢٣) ، والبغوي (٢ / ٢٤٧) ، وابن كثير (٢ / ٣٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٣٢) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه والضياء.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢٤)
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٥٢٥)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٢٥)