طالب : «التفّ في بردي الحضرميّ ، واضطجع في مضجعي ؛ فإنّه لا يضرّك شيء ، ففعل» ، فجاء فتيان قريش ، فجعلوا يرصدون الشخص ، وينتظرون قيامه ، فيثورون به ، فلما قام رأوا عليّا ، فقالوا له : أين صاحبك؟ فقال : لا أدري ، وفي «السّير» ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج عليهم ، وهم في طريقه ، فطمس الله أعينهم عنه ، وجعل على رأس كلّ واحد منهم ترابا ، ومضى لوجهه ، فجاءهم رجل ، فقال : ما تنتظرون؟ قالوا : محمّدا ، قال : إنّي رأيته الآن جائيا من ناحيتكم ، وهو لا محالة ، وضع التراب على رؤوسكم ، فمدّ كلّ واحد يده إلى رأسه ، فإذا عليه التراب ، وجاؤوا إلى مضجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجدوا عليّا ، فركبوا وراءه حينئذ كلّ صعب وذلول ، وهو بالغار ، ومعنى : (لِيُثْبِتُوكَ) : ليسجنوك ؛ قاله عطاء وغيره (١) وقال ابن عبّاس وغيره : ليوثقوك (٢).
وقوله سبحانه : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) ، يعني : القرآن ، (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) ، وقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أي : قصصهم المكتوبة المسطورة ، وأساطير : جمع «أسطورة» ، ويحتمل جمع : «أسطار» ، وتواترت الروايات عن ابن جريج وغيره : أن قائل هذه المقالة هو النّضر بن الحارث ؛ وذلك أنه كان كثير السّفر إلى فارس والحيرة ، فكان قد سمع من قصص الرهبان وأخبار رستم وإسفنديار ، فلما (٣) سمع القرآن ، ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم ، قال : لو شئت لقلت مثل هذا ، وكان النضر من مردة قريش النائلين من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ونزلت فيه آيات كثيرة من كتاب الله عزوجل ، وأمكن الله منه يوم بدر ، وقتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم صبرا بالصّفراء منصرفه من بدر في موضع يقال له «الأثيل» ، وكان أسره المقداد ، فلما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بضرب عنقه ، قال المقداد : أسيري ، يا رسول الله! فقال / رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّه كان يقول في كتاب الله ما قد علمتم» ، ثمّ أعاد الأمر بقتله ، فأعاد المقداد مقالته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ ، أغن المقداد من فضلك» ، فقال المقداد : هذا الّذي أردت ، فضربت عنق النّضر (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٢٥) برقم : (١٥٩٧٥) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥١٩) ، والبغوي (٢ / ٢٤٤) ، وابن كثير (٢ / ٣٠٢) نحوه.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٢٢٥) برقم : (١٥٩٧١) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥١٩) ، والبغوي (٢ / ٢٤٤) ، وابن كثير (٢ / ٢٠٣) ، والسيوطي (٣ / ٣٢٦)
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٢٢٩) برقم : (١٥٩٩١) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٢٠) ، والبغوي (٢ / ٢٤٥) ، وابن كثير (٢ / ٣٠٤) ، والسيوطي (٣ / ٣٢٧)
(٤) أخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩) برقم : (٣٣٧) عن سعيد بن جبير مرسلا.