وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ...) الآية : (اسْتَجِيبُوا) بمعنى : أجيبوا وقوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) قال مجاهد والجمهور : المعنى للطاعة (١) ، وما يتضمنه القرآن ، وهذا إحياء مستعار ؛ لأنه من موت الكفر والجهل ، والطّاعة تؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة.
وقوله سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يحتمل وجوها :
منها : أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة ، حضّهم على المبادرة والاستعجال ، وأعلمهم أنّه يحول بين المرء وقلبه بالموت والقبض ، أي : فبادروا الطاعات ، ويلتئم مع هذا التأويل قوله : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، أي : فبادروا الطاعات ، وتزوّدوها ليوم الحشر.
ومنها : أن يقصد إعلامهم أن قدرة الله وعلمه وإحاطته حائلة بين المرء وقلبه ، فكان هذا المعنى يحضّ على المراقبة والخوف لله المطلع على الضمائر ؛ حكي هذا التأويل عن قتادة (٢) ويحتمل أن يريد تخويفهم ؛ إن لم يمتثلوا الطّاعات ، ويستجيبوا لله وللرّسول ؛ أن يحلّ بهم ما حل بالكفّار الذين أرادهم بقوله : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣] ؛ لأن حتمه عليهم بأنهم لو سمعوا لم ينتفعوا يقتضي أنه كان قد حال بينهم وبين قلوبهم.
ومنها : أن يكون المعنى ترجية لهم بأنّ الله يبدّل الخوف الذي في قلوبهم من كثرة العدوّ ، فيجعله جراءة وقوة ، وبضدّ ذلك للكفّار ، أي : فإن الله تعالى هو مقلّب القلوب ؛ كما كان قسم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقيل غير هذا.
قال مكّيّ ، وقال الطبريّ (٣) : هذا خبر من الله عزوجل ؛ أنه أملك بقلوب العباد منهم لها ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا من إيمان ولا كفر ، ولا يعي شيئا ، ولا يفهم شيئا إلا بإذنه ومشيئته سبحانه ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم كثيرا ما يقول في
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٢ / ٥١٤)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٢١٥) برقم : (١٥٩١٦) بنحوه.
(٣) ينظر : «الطبري» (٦ / ٢١٥)