حتى سبقوا إلى ماء بدر ، وأصاب المشركين من ذلك المطر ما صعّب عليهم طريقهم ، فسر المؤمنون ، وتبينوا من فعل الله بهم ذلك قصد المعونة لهم ، فطابت نفوسهم ، واجتمعت ، وتشجّعت ، فذلك الرّبط على قلوبهم ، وتثبيت أقدامهم على الرملة اللّيّنة.
والضمير في «به» على هذا الاحتمال عائد على الماء ، ويحتمل عوده على ربط القلوب ، ويكون تثبيت / الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب ، ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ، ولم يترتب كذلك في الآية ، إذ القصد فيها تعديد النعم فقط.
وقوله سبحانه : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) وتثبيتهم يكون بقتالهم ، وبحضورهم ، وبأقوالهم المؤنسة ، ويحتمل أن يكون التّثبيت بما يلقيه الملك في القلب بلمّته من توهّم الظّفر ، واحتقار الكفار ، وبخواطر تشجعه.
قال* ع (١) * : ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وعلى هذا التأويل يجيء قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) مخاطبة للملائكة ، ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين. وقوله سبحانه : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) قال عكرمة : هي على بابها ، وأراد الرؤوس (٢) ، وهذا أنبل الأقوال.
قال* ع (٣) * : ويحتمل عندي أن يريد وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها ، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق دون عظم الرأس في المفصل ، كما وصف دريد بن الصّمّة (٤) ، فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا.
والبنان : قالت فرقة : هي المفاصل ؛ حيث كانت من الأعضاء.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٠٨)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ١٩٧) برقم : (١٥٨٠٠) نحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٠٨) ، والبغوي (٢ / ٢٣٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٣)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٠٨)
(٤) دريد بن الصمة الجشمي البكري ، من هوازن : شجاع ، من الأبطال ، الشعراء ، المعمرين في الجاهلية ، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم ، وغزا نحو مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها ، وعاش حتى سقط حاجباه عن عينيه ، وأدرك الإسلام ، ولم يسلم ، فقتل على دين الجاهلية «يوم حنين» ، وكانت هوازن خرجت لقتال المسلمين فاستصحبته معها تيمنا به ، وهو أعمى ، فلما انهزمت جموعها أدركه ربيعة بن رفيع السلميّ فقتله ، له أخبار كثيرة ، والصمة لقب أبيه معاوية بن الحارث.
ينظر ترجمته في : «الأعلام» (٢ / ٣٣٩) (٤١٦٤)