وقال فرقة : البنان الأصابع ، وهذا هو الصحيح ؛ لأنه إذا قطع البنان لم ينتفع صاحبه بشيء من أعضائه واستأسر.
و (شَاقُّوا) : معناه خالفوا ونابذوا ، وقطعوا ، وهو مأخوذ من الشّقّ ، وهو القطع والفصل بين شيئين ، وعبر المفسرون عن قوله : (شَاقُّوا) أي : صاروا في شق غير شقه.
قال* ع (١) * : وهذا وإن كان معناه صحيحا ، فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) جواب للشرط ، تضمن وعيدا وتهديدا.
(ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٦)
وقوله سبحانه : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) المخاطبة للكفار ، أي ذلكم الضّرب والقتل ، وما أوقع الله بهم يوم بدر ، فكأنه قال : الأمر ذلكم فذوقوه ، وكذا قرره سيبويه.
وقال بعضهم : يحتمل أن يكون «ذلكم» في موضع نصب ، كقوله : زيدا فاضربه ، وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ...) الآية : (زَحْفاً) يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص ، أي : يزحف بعضهم إلى بعض ، وأصل الزحف الاندفاع على الأليّة ، ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا ، إذ في مشيته من التّماهل والتّباطؤ ما في مشي الزاحف ، وفي هذا المعنى شواهد من كلام العرب ، ونهى الله سبحانه في هذه الآية عن تولّي الأدبار ، وهذا مقيد بالشّريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين ، والفرار هنالك كبيرة موبقة بظاهر القرآن ، والحديث ، وإجماع الأكثر من الأمة.
وقوله : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ...) الآية. قال جمهور الأمة : الإشارة ب (يَوْمَئِذٍ) إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله : (إِذا لَقِيتُمُ) وحكم الآية باق إلى يوم القيامة ، بشرط الضعف الذي بيّنه الله سبحانه.
* ت* : قال ابن رشد : وهذا ما لم يبلغ عدد / المسلمين اثني عشر ألفا ، فإن بلغ حرم الفرار ، وإن زاد المشركون على الضعف للحديث «لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلّة» ، فإن أكثر أهل العلم خصّصوا بهذا الحديث عموم الآية.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٠٩)