المؤمنين في يوم بدر ، والتقدير : اذكروا إذ فعلنا بكم كذا ، وإذ فعلنا كذا ، والعامل في «إذ» «اذكروا» وقرأ نافع : «يغشيكم» ـ بضم (١) الياء ، وسكون الغين ـ وقرأ حمزة وغيره : (يُغَشِّيكُمُ) ـ بفتح الغين وشدّ الشين المكسورة ، وقرأ ابن كثير وغيره : «يغشاكم» ـ بفتح الياء وألف بعد الشين ـ «النّعاس» بالرفع ، ومعنى (يُغَشِّيكُمُ) : يغطيكم ، والنّعاس أخفّ النوم ، وهو الذي يصيب الإنسان ، وهو واقف أو ماش ، وينص على ذلك قصص هذه الآية ؛ أنهم إنما كان بهم خفق بالرّؤوس ، وقوله : (أَمَنَةً) مصدر من أمن يأمن أمنا وأمنة وأمانا ، والهاء فيه لتأنيث المصدر ، كما هي في المساءة والحماقة والمشقّة.
وروي عن ابن مسعود أنه قال : النّعاس عند حضور القتال علامة أمن ، وهو من الله ، وهو في الصّلاة من الشيطان (٢).
قال* ع (٣) * : وهذا إنما طريقه الوحي ، فهو لا محالة يسنده وقوله سبحانه : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ). وذلك أن قوما من المؤمنين لحقتهم جنابات في سفرهم ، وعدموا الماء قريب بدر ، فصلوا كذلك ، فوسوس الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العدوّ وقلتهم ، وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة ، من رمل دهس (٤) تسوخ (٥) فيها الأرجل ، فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفّار إلى ماء بدر ، فأنزل الله تلك المطرة فسالت الأودية ، فاغتسلوا ، وطهرهم الله تعالى فذهب رجز الشيطان ، وتدمّث (٦) الطريق ، وتلبّدت (٧) تلك الرّمال ، فسهل الله عليهم السير ، وأمكنهم الإسراع
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٣٠٤) ، «الحجة» (٤ / ١٢٥) ، «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٧٧) ، «حجة القراءات» (٣٠٨) ، «إعراب القراءات» (١ / ٢٢٢) ، «النشر» (٢ / ٢٧٦) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣٢٤) ، و «شرح شعلة» (٤٠٥) ، و «معاني القراءات» (١ / ٤٣٧)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ١٩٢) برقم : (١٥٧٧١ ـ ١٥٧٧٢ ـ ١٥٧٧٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٠٦) ، والبغوي (٢ / ٢٣٤) ، وابن كثير (٢ / ٢٩١)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٥٠٦)
(٤) رمل أدهس بيّن الدّهس ، والدّهاس من الرمل : ما كان كذلك لا ينبت شجرا ، وتغيب فيه القوائم ... وقيل : ما سهل ولان من الأرض ، ولم يبلغ أن يكون رملا.
ينظر : «لسان العرب» (١٤٤١) ، و «النهاية» (٢ / ١٤٥)
(٥) أي : غاصت في الأرض. ينظر : «اللسان» (٢١٤١)
(٦) الدّمث : السهول من الأرض ، الواحدة دمثة ، وهو أيضا المكان اللين ذو رمل ، ودمّث الشيء : إذا مرسه حتى يلين.
ينظر : «لسان العرب» (١٤١٨ ـ ١٤١٩)
(٧) أي : صارت قوية لا تسوخ فيها الأرجل.
ينظر : «لسان العرب» (٣٩٨٤)