وروي في «الصحيح» : الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر.
واختلف في غيره ؛ قال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ؛ أنه حدّث عن ابن عباس ، أنه قال : حدثني رجل من بني غفار ، قال : أقبلت أنا وابن عمّ لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون ، فننتهب مع من ينتهب. قال : فبينما نحن في الجبل ، إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، / فسمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم ، فأما ابن عمي ، فانكشف قناع قلبه ، فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت (١).
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي سعيد مالك بن ربيعة ، وكان شهد بدرا ، قال بعد أن ذهب بصره : لو كنت اليوم ببدر ، ومعى بصري لأريتكم الشّعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشكّ ولا أتمارى. انتهى من «سيرة ابن هشام».
وقوله سبحانه : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) الضمير في «جعله» عائد على الوعد ، وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى.
وقيل : عائد على المدد ، والإمداد.
وقيل : عائد على الإرداف.
وقيل : عائد على الألف ، وقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) توقيف على أن الأمر كلّه لله وأن تكسّب المرء لا يغني ، إذا لم يساعده القدر ، وإن كان مطلوبا بالجدّ ، كما ظاهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين در عين.
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١٣)
وقوله سبحانه : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ). القصد تعديد نعمه سبحانه على
__________________
(١) أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (٢ / ٢٩٦) ومن طريقه الطبري في «تاريخه» (٢ / ٤٥٣) ، وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (٣ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠)