حالكم واحدا واحدا كذلك ، فهذه نعمة يختصّ كلّ واحد بجزء منها ، ثم جاء قوله : (فَلَمَّا تَغَشَّاها ...) إلى آخر الآية ، وصفا لحال الناس واحدا واحدا ، أي : هكذا يفعلون ، فإذا آتاهم الله ولدا صالحا سليما كما أرادوه ، صرفوه عن الفطرة إلى الشرك ، فهذا فعل المشركين.
قال ابن العربيّ في «أحكامه» وهذا القول هو الأشبه بالحقّ وأقرب للصدق ، وهو ظاهر الآية ، وعمومها الذي يشمل جميع متناولاتها ، ويسلم فيها الأنبياء عن النّقص الذي لا يليق بجهّال البشر ، فكيف بساداتهم ، وأنبيائهم؟! انتهى ، وهو كلام حسن ؛ وبالله التوفيق.
وقرأ نافع (١) ، وعاصم ؛ في رواية أبي بكر : «شركا» ـ بكسر الشين ، وسكون الراء ـ ؛ على المصدر ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «شركاء» على الجمع ، وهي بينة ؛ على هذا التأويل الأخير ، وقلقة على قول من قال : إن الآية الأولى في آدم وحواء ، وفي مصحف أبيّ بن (٢) كعب : «فلمّا آتاهما صالحا أشركا فيه».
وقوله : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً ...) الآية : ذهب بعض من قال بالقول الأول إلى أنّ هذه الآية في آدم وحواء على ما تقدّم ، وفيه قلق وتعسّف من التأويل / في المعنى وإنما تنسق هذه الآيات ، ويروق نظمها ، ويتناصر معناها على التأويل الأخير ، فإنهم قالوا : إن الآية في مشركي الكفّار الذي يشركون الأصنام في العبادة ، وإياها يراد في قوله : (ما لا يَخْلُقُ) ، وعبّر عن الأصنام ب (هُمْ) ؛ كأنها تعقل على اعتقاد الكفّار فيها ؛ وبحسب أسمائها ، و (يُخْلَقُونَ) : معناه : ينحتون ويصنعون ، يعني : الأصنام ، ويحتمل أن يكون المعنى ، وهؤلاء المشركون يخلقون ؛ أي : فكان حقّهم أن يعبدوا خالقهم ، لا من لا يخلق شيئا ، وقرأ أبو عبد الرحمن : «عمّا تشركون» (٣) بالتاء من فوق «أتشركون».
وقوله سبحانه : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ، من قال : إن الآيات في آدم عليهالسلام ، قال : هذه مخاطبة مستأنفة
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٢٩٩) ، و «الحجة» (٤ / ١١١) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢١٦) ، و «حجّة القراءات» (٣٠٤) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٧١) ، و «العنوان» (٩٨) و «شرح الطيبة» (٤ / ٣١٨) ، و «شرح شعلة» (٤٠) ، و «معاني القراءات» (١ / ٤٣١)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٨٧) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٣٨)
(٣) ينظر : «الشواذ» ص : (٥٣) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٨٨) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٣٨) ، و «الدر المصون» (٣ / ٣٨٣)