وإذا كان ابن عبّاس قد فاته طول الصّحبة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقد استعاض عن ذلك بملازمة كبار الصحابة ، يسألهم ، ويتعرّف أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك.
يقول ابن عبّاس (١) :
«لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطّاب عن المرأتين من أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم اللّتين قال الله فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) [التحريم : ٤] ، ولم أزل أتلطّف له حتّى عرفت أنهما حفصة وعائشة».
ويقول :
«وجدت عامّة حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند الأنصار ؛ فإنّي كنت لآتي الرّجل ، فأجده نائما ، لو شئت أن يوقظ لي لأوقظ ، فأجلس على بابه تسفي على وجهي الرّيح ، حتّى يستيقظ متى ما استيقظ ، وأسأله عمّا أريد ثمّ أنصرف».
لقد تلمذ ابن عبّاس على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوّلا ، فكان الرسول يعلّمه ويربّيه ، قال له يوما :
«يا غلام ، إنّي أعلّمك كلمات : أحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وأعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء ، لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف».
وفي خلافة عمر كان لابن عبّاس تقدير خاصّ عنده ، فكان يدنيه من مجلسه ، رغم حداثة سنّه ـ كما ذكرنا.
وقد أفاد ابن عبّاس من هؤلاء الذين يعدّون بمثابة شيوخه :
عمر بن الخطّاب ، وأبيّ بن كعب ، وعليّ بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، روى عبد الرزّاق عن معمر قال (٢) :
«عامّة علم ابن عبّاس من ثلاثة : عمر وعليّ وأبيّ بن كعب».
وذكر ابن الأثير الجزريّ في ترجمة ابن عبّاس أنه (٣) «حفظ المحكم في زمن
__________________
(١) «الجامع لأحكام القرآن» / للقرطبي ١ / ٢٢.
(٢) «تذكرة الحفاظ» للذهبي ١ / ٤١.
(٣) «طبقات القراء» ٤٢٥.