قال الغزّاليّ ـ رحمهالله ـ تعالى : العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة ؛ فإنها مصيره ومستقرّه ، فيكون له في كلّ ما يراه من ماء ، أو نار ، أو غيرهما عبرة ؛ فإن نظر إلى سواد ، ذكر ظلمة اللّحد ، وإن نظر إلى صورة مروّعة ، تذكّر منكرا ونكيرا والزبانية ، وإن سمع صوتا هائلا ، تذكّر نفخة الصّور ، وإن رأى شيئا حسنا ، تذكّر نعيم الجنّة ، وإن سمع كلمة ردّ أو قبول ، تذكّر ما ينكشف له من آخر أمره بعد الحساب ؛ من ردّ أو قبول ، ما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل ، لا يصرفه عنه إلّا مهمّات الدنيا ، فإذا نسب مدة مقامه في الدّنيا إلى مدة مقامه في الآخرة ، استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه ، وأعميت بصيرته. انتهى من «الإحياء».
وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) : قال ابن عبّاس ، وسعيد بن المسيّب : سبب الآية أن المسلمين لما نزلت : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ ...) [الأنعام : ١٥٢] و [الإسراء : ٣٤] الآية ، ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] ، تجنبوا اليتامى وأموالهم ، وعزلوهم عن أنفسهم ، فنزلت : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ...) الآية ، وأمر الله سبحانه نبيّه ؛ أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم ، فهو خير ، فرفع تعالى المشقّة ، وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ، ورفق اليتيم (١).
وقوله سبحانه : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) : تحذير.
وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) ، أي : لأتعبكم في تجنّب أمر اليتامى ، والعنت : المشقّة ، ومنه عقبة عنوت ؛ ومنه : عنت العزبة ، و (عَزِيزٌ) : مقتضاه لا يرد أمره ، و (حَكِيمٌ) : أي : محكم ما ينفذه.
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٢٢١)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ـ ٣٨٤) برقم (٤١٨٥ ـ ٤١٨٦ ـ ٤١٩٢ ـ ٤١٩٤ ـ ٤١٩٦) عن ابن عباس ، وبرقم (٤١٨٧) عن سعيد.
وذكره البغوي (١ / ١٩٤) عن ابن عباس ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٥٦) ، وعزاه لأبي داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس.