وروى البخاريّ ومسلم في «صحيحيهما» ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله : إلّا الصّوم ، فإنّه لي وأنا أجزي به ، إنّما يدع شهوته وطعامه من أجلي» (١). انتهى.
وقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) قالت فرقة : المعنى : ولا تجامعوهنّ ، وقال الجمهور : ذلك يقع على الجماع ، فما دونه ممّا يتلذّذ به من النساء ، و (عاكِفُونَ) ، أي : ملازمون ، قال مالك ـ رحمهالله ـ وجماعة معه : لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات (٢) ، وروي عن مالك أيضا ؛ أنّ ذلك في كل مسجد ، ويخرج إلى الجمعة ؛ كما يخرج إلى ضروريّ أشغاله ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» (٣) : وحرم الله سبحانه المباشرة في المسجد ؛ وكذلك تحرم خارج المسجد ؛ لأن معنى الآية ، ولا تباشروهنّ وأنتم ملتزمون للاعتكاف في المساجد معتقدون له. انتهى. و (تِلْكَ) إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي.
والحدود : الحواجز بين الإباحة والحظر ؛ ومنه قيل للبوّاب حدّاد ؛ لأنه يمنع ؛ ومنه الحادّ ؛ لأنها تمنع من الزينة ، والآيات : العلامات الهادية إلى الحق.
٤٨ أوقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ...) الآية : الخطاب لأمة / نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ويدخل في هذه الآية القمار ، والخدع ، والغصوب ، وجحد الحقوق ، وغير ذلك.
وقوله سبحانه : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ...) الآية : يقال : أدلى الرّجل بحجّة ، أو
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد ؛ لقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ووجه الدلالة من الآية : أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به ؛ لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع ، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا فيها ؛ فدل على أنه لا يجوز إلا في المسجد ، والأفضل أن يعتكف في المسجد الجامع ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتكف في المسجد الجامع ؛ ولأن الجماعة في صلواته أكثر ؛ ولأنه يخرج من الخلاف ، فإن الزهري قال : لا يجوز في غيره. وإن نذر أن يعتكف في مسجد غير الثلاثة ، وهي المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجد المدينة ، جاز أن يعتكف في غيره ؛ لأنه لا مزية لبعضها على بعض ؛ فلم تتعين ويصح الاعتكاف في كل مسجد ، والجامع أفضل ، وأومأ الشافعي في القديم إلى اشتراط الجامع ، والصواب جوازه في كل مسجد ، ويصح في رحبته ، وسطحه بلا خلاف ، لأنهما منه.
ينظر : «الاعتكاف» لشيخنا أحمد خليفة جبر.
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (١ / ٩٦).