ولله درّ من اتّبع كلام ربّه ، واقتفى سنّة نبيّه ، وإن قلّ علمه ، قال القضاعيّ في اختصاره ل «المدارك» : قال في ترجمة سحنون (١) : كان سحنون يقول : مثل العلم القليل في الرجل الصالح مثل العين العذبة في الأرض العذبة ، يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به ، ومثل العلم الكثير في الرجل الطالح مثل العين الخرّارة في السّبخة تهرّ الليل والنّهار ، ولا ينتفع بها. انتهى.
وقيل : (يَتْلُونَهُ) : يقرءونه حقّ قراءته ، وهذا أيضا يتضمّن الاتباع والامتثال ، و (حَقَ) (٢) : مصدر ، وهو بمعنى أفعل ، والضمير في «به» عائد على «الكتاب» ، وقيل : يعود على محمّد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن متّبعي التوراة يجدونه فيها ، فيؤمنون به ، والضمير في (يَكْفُرْ بِهِ) يحتمل من العود ما ذكر في الأول.
وقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ ...) الآية : تقدّم بيان نظيرها ، ومعنى : (لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) : أنه ليست ثمّ ، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد ، فيردّ ، وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب ، فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة.
* ت* : ولم ينبّه ـ رحمهالله ـ على هذا في التي تقدّمت أول السورة ، و (ابْتَلى) معناه : اختبر ، وفي «مختصر الطّبريّ» : (ابْتَلى) ، أي : اختبر ، والاختبار من الله عزوجل لعباده على علم منه سبحانه بباطن أمرهم وظاهره ، وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابق علمه
__________________
(١) هو الإمام سحنون ، أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي ، القيرواني ، الفقيه ، الحافظ ، العابد ، الورع ، المتفق على فضله وإمامته ، اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره ، أخذ العلم عن أئمة من أهل المشرق والمغرب. وأخذ عنه من أئمة الرواة نحو سبعمائة ، انتهت إليه الرياسة في العلم ، وعليه المعول في المشكلات ، وإليه الرحلة ، ومدونته عليها الاعتماد في المذهب المالكي. ولد رحمهالله سنة ١٦٠ ه. وتوفي سنة ٢٤٠ ه. وقبره ب «القيروان».
ينظر : «الديباج» (٢ / ٣٠) ، و «الشجرة الزكية» (ص ٦٩)
(٢) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه نصب على المصدر ، وأصله : «تلاوة حقا» ثم قدم الوصف وأضيف إلى المصدر ، وصار نظير : «ضربت شديد الضرب» أي : ضربا شديدا ، فلما قدم وصف المصدر نصب نصبه.
الثاني : أنه حال من فاعل يتلونه ، أي : يتلونه محقين.
الثالث : أنه نعت مصدر محذوف ، وقال ابن عطية : و «حق» مصدر ، والعامل فيه فعل مضمر ، وهو بمعنى أفعل ، ولا تجوز إضافته إلى واحد معرف ، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى ضمير ليس بتعرف محض ، وإنما هو بمنزلة قولهم : «رجل واحد أمه ، ونسيج وحده» يعني أنه في قوة أفعل التفضيل بمعنى أحق التلاوة ، وكأنه يرى أن إضافة أفعل غير محضة ، ولا حاجة إلى تقدير عامل فيه ، لأن ما قبله يطلبه. ينظر : «الدر المصون» (١ / ٣٥٨)