وقوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) : يعني القرآن ، (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ، يعني : الكتب السالفة ، و (يُوقِنُونَ) معناه : يعلمون علما متمكّنا في نفوسهم ، واليقين أعلى درجات العلم.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) إشارة إلى المذكورين ، والهدى هنا : الإرشاد ، والفلاح : الظّفر بالبغية ، وإدراك الأمل.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ...) إلى (عَظِيمٌ) : اختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامّة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها ، فقال قوم : هي فيمن سبق في علم الله ، أنه لا يؤمن ، وقال ابن عبّاس : نزلت في حييّ بن أخطب ، وأبي ياسر بن أخطب ، وكعب بن الأشرف (١) ، ونظرائهم (٢).
والقول الأول هو المعتمد عليه.
وقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) معناه : معتدل عندهم ، والإنذار : إعلام بتخويف ، هذا حدّه ، وقوله تعالى : (خَتَمَ) : مأخوذ من الختم ، وهو الطبع ، والخاتم : الطابع ؛ قال في مختصر الطبريّ : والصحيح أن هذا الطبع حقيقة (٣)
__________________
ـ قال ابن الأثير في «الأسد» : كان إسلامه لما قدم النبي المدينة مهاجرا. روى عنه ابناه يوسف ، ومحمد ، وأنس بن مالك ، وزرارة بن أوفى ، وكان قد ذكر قبل ذلك أنه كان اسمه في الجاهلية «الحصين» ، فسماه رسول الله حين أسلم عبد الله. توفي سنة (٤٣) ه.
ينظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٣ / ٢٦٤) ، «الإصابة» (٤ / ٨٠) ، «الثقات» (٣ / ٢٢٨) ، «نقعة الصديان» (٢٤٥) ، «عنوان النجابة» (١٢٤) ، «شذرات الذهب» (١ / ٤٠) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٤٢٢) ، «تهذيب التهذيب» (٥ / ٢٤٩)
(١) كعب بن الأشرف الطائي ، من بني نبهان ، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية. وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم ، وأكثر من هجوم النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم ، والتشبيب بنسائهم ، وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها ، وحض على الأخذ بثأرهم ، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بقتله ، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه سنة (٣ ه.) وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة.
ينظر : «الروض الأنف» (٢ / ١٢٣) ، «إمتاع الأسماع» (١ / ١٠٧) ، «ابن الأثير» (٢ / ٥٣) ، «الطبري» (٣ / ٢) ، «الأعلام» (٥ / ٢٢٥)
(٢) الطبري (١ / ١٤١) برقم (٢٩٥) وذكره السمرقندي (١ / ٩١ ـ ٩٢) ، وابن عطية الأندلسي (١ / ٨٧) ، والماوردي (١ / ٧٢) ، والقرطبي (١ / ١٦٠) ، والسيوطي في «الدر» (١ / ٦٥) ، وعزاه لابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (١ / ٤٥)
(٣) قال ابن فارس في «فقه اللغة» : الحقيقة من قولنا : حقّ الشيء إذا وجب. واشتقاقه من الشيء المحقق ، ـ