مناسك الحج ، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه ، جلست حيث أسمع الكلام ، وحوله عالم من الناس فلما قضى حوائجهم وانصرفوا ، التفت إلى الرجل قال له : من أنت؟ قال له : أنا قتادة بن دعامة البصري. فقال له الإمام أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم. فأمره الإمام أن يأخذ العلم ممن هو أعلم منه ، فسكت قتادة طويلا ثم قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم واضطرب قدامك ، فقال له أبو جعفر : أتدرى أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأنت ثم ونحن أولئك فقال له قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، ما هي بيوت حجارة ولا طين ، فأخبرني عن الجبن؟ فتبسم أبو جعفر وقال : رجعت مسائلك إلى هذا. قال : ضلت عني. فقال الإمام لا بأس به فقال قتادة : إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت. قال الإمام : ليس بها بأس ، إن الأنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، إنما تخرج من بين فرث ودم ، ثم قال : وإنما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة ، فهل تأكل البيضة؟ قال قتادة : لا ، ولا آمر بأكلها ، فقال له أبو جعفر الباقر (عليهالسلام) : ولم؟ قال : لأنها من الميتة. قال له الإمام : فإن حضنت تلك البيضة وخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال قتادة : نعم ، فقال له الإمام : فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة. ثم قال : فكذلك الأنفحة مثل البيضة فاشتر من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه (١).
بهذه الطريقة من السؤال والجواب العلميين أقنع الإمام الباقر (عليهالسلام) سائله ، مقررا قاعدة أصولية مفادها (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على خلاف ذلك) ، وكان قتادة يستقبل ردود الإمام بروح علمية رصينة لعلمه المسبق بأن الإمام الباقر (عليهالسلام) لا يصدر عن فراغ بل يصدر عن أوعية ملئت علما وفقها ،
__________________
(١) الكافي ، الكليني ، ٢ / ٧٦+ أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ٢ / ٤ / ١٠ ـ ١١+ سيرة الأئمة ، هاشم معروف الحسني ، ٢١٢ ـ ٢١٣.