والمرابطة لفظ مشترك بين التصبر على العبادة والتصبر على حراسة الثغور ولم يتعرض القرطبي إلى حكم المرابطة عند تفسيره لهذه الآية بل صرفها إلى تسخير الخيل تبرعا للجهاد فقال : يستدل بهذه الآية على جواز وقف الخيل ، ومنع منه أبو حنيفة ، وبالصحة قال الشافعي ؛ قال القرطبي : وهو اصح ، لأنه مال ينتفع به في وجه القربة وهو معلل بأن يرهب به عدو الله (١).
وقد أكد ابن العربي على قول الإمام الباقر (عليهالسلام) فقال : الرباط هو حبس النفس في سبيل الله حراسة للثغور مستندا إلى ما رواه البخاري أن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، وكذلك الترمذي ، وأشار إلى رباط الخيل فيما له فضل عظيم ، ولم يتعرض للخلاف لكنه أكد استحبابه لتعليل النص (٢).
وما تقدم في سورة آل عمران من الأمر بالمرابطة دليل على رجحان تفسير الإمام الباقر (عليهالسلام) وخاصة إذا ما عضد ذلك التفسير مجموعة من الأحاديث الشريفة ، فقد روى أن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه (٣). وذلك كله للدلالة على استحباب المرابطة (٤).
* المطلب الثامن : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
هو واجب شرعي ثبت بأكثر من آية للحث على الفعل الراجح وترك القبيح ، قال الرازي : أوجبه الله على كل الأمة لان ال (من) في آية وجوبه (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٥) ليست للتبعيض لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٦) ولأن في المنكر ضرر فيجب دفع
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٨ / ٣٨.
(٢) أحكام القرآن ، ابن العربي ، ٢ / ٨٧٤.
(٣) ظ : الدر المنثور ، السيوطي ، ٢ / ١١٣ فيما يرويه عن أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.
(٤) مسالك الإفهام ، الشهيد الثاني ، ٢ / ٢٦٠.
(٥) آل عمران / ١٠٤.
(٦) آل عمران / ١١٠.