المبحث الأول
قيمة تفسيره ومكانته
تبين من خلال ما تقدم من فصول بهذه الرسالة أن للإمام الباقر (عليهالسلام) آثارا وأقوالا لا يستهان بها بل شكلت ثروة تفسيرية قيمة ، ولم يكن هذا القول اعتباطا أو تخمينا ، وإنما استطعنا البرهنة عليه من خلال عرضنا للروايات التفسيرية المنقولة عنه من جهة ومن حيث ما اجتمع في تفسيره من الخصائص ما يؤهله لأن يصبح مرجعا في تفسير كتاب الله ، ومن الصفات ما يجعل لآرائه وأقواله من قيمة بين أقوال غيره من العلماء من جهة أخرى ، وسنعرض فيما يأتي لأهم تلك الخصائص والصفات التي يمكن أن تكون عوامل مهمة جدا في جعل تفسيره تفسيرا معتمدا عليه بين المفسرين.
أولا : عنايته بكتاب الله وتشدده في تفسيره
كان الإمام الباقر (عليهالسلام) أحد المقرئين لكتاب الله وأجاد في قراءته فأصبح يعلمه الناس ، بل شارك في وضع بعض الضوابط لقراءة القرآن الكريم ، فكان يوصي بتلاوته بالصوت الحسن لأنه ينفذ إلى أعماق القلب والوجدان ، وكان هو من أحسن الناس صوتا بقراءته (١).
ومن تلك الضوابط الفنية التي شارك الإمام الباقر (عليهالسلام) في وضعها لتلاوة القرآن الكريم هو الترجيع بقراءته فقد روى أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال : إنما ترائي بهذا أهلك والناس ، فقال الإمام : يا أبا محمد اقرأ قراءة بين القراءتين ، تسمع أهلك ، ورجّع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (٢)
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، الخوئي ، ٢٥+ أصول الكافي ، الكليني ، ٢ / ٣٦.
(٢) المصدر نفسه ، ٢١٠+ الوافي ، الفيض الكاشاني ، ٣ / ٢٧٤.