ومنه قوله سبحانه : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) (١).
فكان تركهم إتّباع الدليل الذي أقام لهم ضلالة لهم ، فصار ذلك كأنّه منسوب إليه تعالى لمّا خالفوا أمره في إتّباع الإمام ثمّ افترقوا واختلفوا ولعن بعضهم بعضا واستحلّ بعضهم دماء بعض : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٢). (٣) الخبر.
وعلى كلّ حال فقضية الإطلاق وحذف المتعلق ، سيّما بمعونة اختلاف الأخبار الواردة في تفسيره حسبما مرّ في اوّل تفسير الآية ويأتى أيضا حمل الضلال في المقام على كلّ انحراف وعدول عن الحقّ الّذى هو الدين القويم ، والصراط المستقيم ، بلا فرق بين أن يكون ذلك الانحراف في الإعتقاد أو العمل أو اللسان فيما يتعلق بأصول الدين كلّها أو بعضها أو فروع الدين كذلك ، أو أصول الفروع وفروع الأصول سواء كان ذلك على وجه الجحود والعناد ، أو على سبيل الإعتقاد وتوهّم الصواب والسداد ، أو من جهة الاستضعاف وعدم التميز بين الفساد والرشاد ، انّ الضلالة تشتمل جميع ذلك منفردا ومجتمعا مع غيره حتى المجموع ، وإن فسّرت في بعض الأخبار بالغلوّ وفي بعضها بالنصب الذي هو الضلال عن سبيل الله كما مرّت حكايتهما عن تفسير الامام عليهالسلام وغيره.
بل فيه أيضا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء فإذا لم ينزل عالم إلى عالم تصرّف عنه طلّاب حطام الدنيا وحرامها ويمنعون الحقّ من أهله ، ويجعلونه لغير أهله اتّخذ الناس رؤساء
__________________
(١) المدثر : ٣١.
(٢) يونس : ٣٢.
(٣) بحار الأنوار : ج ٥ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ح ٤٨ عن تفسير النعماني ص ١٧ ـ ٢٠.