وامّا معنى الهدى فقوله عزوجل : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (١) ، ومعنى الهادي المبيّن لما جاء به المنذر من عند الله ، وقد احتجّ قوم من المنافقين على الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢) وذلك أن الله تعالى لمّا أنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم و (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، قال طائفة من المنافقين : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) فأجابهم الله تعالى بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) ، الآية.
فهذا معنى الضلال المنسوب إلى الله سبحانه لأنه أقام لهم الإمام الهادي لما جاء به المنذر فخالفوه وصرفوا عنه بعد أن أقرّوا بفرض طاعته ، ولمّا بيّن لهم ما يأخذون وما يذرون فخالفوه وضلّوا.
هذا مع علمهم بما قاله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة إذا صلّيتم عليّ بل صلّوا على أهل بيتي ولا تقطعوهم عنّى فإنّ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببى ونسبي ، ولمّا خالفوا الله تعالى ضلّوا واضلّوا فحذر الله الأمّة من إتّباع الهوى ، فقال سبحانه : (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٣) والسبيل هاهنا الوصىّ وقال سبحانه : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ) (٤) ، الآية ، فخالفوا ما وصّاهم الله تعالى به واتّبعوا أهواءهم فحرّفوا دين الله جلّت عظمته وشرائعه وبدّلوا فرائضه واحكامه وجميع ما أمروا به كما عدلوا عمّن أمروا بطاعته وأخذ عليهم العهد بموالاته ، واضطرهم ذلك إلى استعمال الرأي والقياس فزادهم ذلك حيرة والتباسا ،
__________________
(١) الرعد : ٧.
(٢) المائدة : ٧٧.
(٣) المائدة : ٧٧.
(٤) الأنعام : ١٥٣.