الخطاب بكون العابد شاهدا لتجليات أنوار القدس ، متمكّنا في حريم حرم الانس ، متحصّنا من أحزاب مردة أتباع الشيطان بحصينة (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (١) ، وهذا بخلاف ما لو أطلق العبادة ، ثم يذكر المعبود.
ولأنّ فيه إشعارا بالتوسّل اليه والاستعانة باسمه في عبادته ، فكأنّ الجملة الثانية من حيث المقال حكاية للأولى باعتبار الحال.
استكشاف واستعانة عن حقيقة الاستعانة
الاستعانة استفعال من العون بمعنى الظهير ، يقال : استعنته ، وبه فأعاننى وقواني ، والاسم العون والمعانة والمعونة كمقولة ، والمعونة كمكحلة.
ثم إنّ المعونة إمّا كونيّة وإمّا شرعيّة ، وكلّ منها إمّا ضروريّة أو غير ضرورية ، فأقسامها أربعة : الكونيّة الضروريّة ، وهي الّتي لا يتحقّق التكوين بدونها من الوجود والماهيّة ، وحدود القابليّة والهندسة التكوينيّة وغيرها ممّا أشير إليها اجمالا بقوله عليهالسلام : لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بعلم فمشيّة ، وإرادة ، وقدرة ، وقضاء وأيضا (٢) ، حسب ما نفصّل الكلام فيها في موضعها (إن شاء الله).
وطلب هذه المعونة إنما هو بلسان القبول والاستعداد المفاض عليه حين الإعطاء لا قبله ، إذ ليس له قبل ذلك ذكر في شيء من العوالم ، وهو سبحانه مشيّئ الأشياء لا من شيء ، ومعطي الاستعدادات والقابليّات ، ومفيض التقرّرات والكينونات (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٣) والمبتدء بالنعم قبل استحقاقها.
__________________
(١) الحجر : ٤٣.
(٢) الكافي ج ١ / ١٤٨ ـ ١٥٢ فيه أحاديث كثيرة في هذا الباب.
(٣) سورة طه : ٥٠.