وانّ حقّ الكلام أن يجرى من أوّل الأمر على طريق الخطاب لأنّه تعالى حاضر لا يغيب بل هو أقرب من كلّ قريب ، لكنّه جرى على طريق الغيبة رعاية لقانون الأدب الّذى هو دأب السّالكين ، ومنهاج العارفين ، وطريقة العاشقين كما قيل :
بأدب در طريق عشق كه هست |
|
طرق العشق كلّها آداب |
در پس پرده رمزها است بسى |
|
فاسئلوهن من وراء حجاب |
فبعد رعاية الأدب تقرّب إليه واقترب ، وتمكّن في بساط الحضور واستنار بإظهار العبوديّة من معدن النّور. وانّ العابد لما حقّر عبادته النّاقصة القاصرة والبائرة وأراد ترويجا لكساده وإصلاحا لفساده أن يمزج عبادته بعبادة جميع العابدين من الأنبياء والمرسلين والملئكة المقرّبين ويعرض الكلّ دفعة واحدة على حريم قدس ربّ العالمين رجاء أن يصير الانضمام سببا لقبول التّمام بفضل ذي الجود والانعام ، فلذا أتى في الفعل بنون المتكلّم مع الغير ، ليندرج عبادته في عبادتهم ، وتصير مقبولة ببركتهم ، فساق الكلام على النّمط اللّايق بحالهم ، والأسلوب المناسب لمقامهم الّذى هو الحضور والخطاب لحضرة المعبود لارتقائهم عن عالم الغيبة إلى مقام الشّهود لو قال إيّاه نعبد لكان كالإزراء بشأنهم ، والإفضاء عن علوّ مكانهم ، وانّ من لزم جادّة الأدب والانكسار ورأى نفسه بعيدا عن ساحة القرب لكمال الاحتقار فهو الحقيق بان تدركه الرّحمة وتناله النّعمة فيتخطى على بساط الاقتراب فائزا بعزّ الحضور وسعادة الخطاب.
وانّ لآيات القرآن المجيد سيّما ما كان مشتملا على التحميد والتّمجيد لشأنا عجيبا وأثرا غريبا في الإيصال إلى مقام القرب والكمال فيستأهل بعد رفع الحجاب للتّشرّف بمقام الحضور حتّى أنّ العبد باجرائه هذا القدر منه على لسانه ونقشه على