ومن نمط إلى نمط ، تنشيطا للسّامع ، وتنبيها للغافل والذّاهل.
فمنه العدول عن كلّ من الخطاب والغيبة والتكلّم إلى الآخر ، وهذا أحسن من الجري على نمط واحد ، واللّزوم لمسلك متكرّر ، ومع ذلك فربما يختصّ مواقع الالتفات بزوائد فوائد من النكات ، فانّ الألفاظ إشكال وأشباح ، والأشباح مغناطيس الأرواح ، ولذا ورد عن مولينا أمير المؤمنين : انّ الرّوح في الجسد كالمعنى في اللّفظ ، فكلّ طور من أطوار المبانى مصيدة وشبكة لفنّ من فنون المعاني وقد ذكر الموافقون للنّظر في أنوار التّنزيل واسرار التّأويل للالتفات من الغيبة إلى الخطاب في المقام وجوها من الكلام لعلّ كلّها بعض المقصود من كلام الملك العلّام ، مثل ما قيل من أنّ القراءة ينبغي أن تكون صادرة عن قلب حاضر وتأمّل وافر ، بحيث يجد القارى عند الشّروع فيها محرّكا للإقبال إلى المنعم الحقيقي الّذي أنطق لسانه بتحميده ، ووفّقه للقيام بتمجيده ، ثمّ كلّما مجده بصفة من صفاته العليا وسمّاه باسم من أسمائه الحسنى قوى ذلك المحرّك وازداد ، حتّى إذا انتهى إلى مالكيّة الأمر يوم المعاد ، تناهي في القوّة والاشتداد وآل الأمر بالضّرورة إلى دفع الحجاب ، والإقبال عليه بالخطاب ، وانّ المقام مقام عظيم وخطب جسيم يدهش فيه الإنسان ، ويتلجلج فيه اللّسان ، فيتغيّر الكلام ، ويخرج عن الأسلوب والنّظام ، وهو كما ترى فانّ الكلام كلام الملك العلّام وانّ من أوّل السّورة إلى هذا المقام تعداد لصفاته الّتي لا يليق عدّها في الحضور بل الأنسب طريق الغيبة بلا ريبة لأنّ الثناء في الغيبة أولى منه في الحضور لكنّ العبادة والاستعانة ينبغي إظهارها للمعبود دون غيره.
وإنّ في الالتفات إشعارا بأنّ العبادة السّالمة عن القصور ما يكون العابد حين الإشتغال مستغرقة في بحر الحضور يشاهده بنور العلم والعرفان ويخاطبه بالجنان واللّسان.