استخلفه فيه كما قال : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (١) ، وروى العيّاشى عن مولينا الصّادق عليهالسلام : قال أترى الله أعطى من أعطى من كرامته عليه ، ومنع من منع من هوان به عليه ، لا ولكنّ المال مال الله يضعه عند الرّجل وودائع ، وجوّز لهم أن يأكلوا قصدا ، ويشربوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ، ويلمّوا به شعثهم ، فمن فعل ذلك كان يأكل حلالا ويشرب حلالا ويركب وينكح حلالا ، ومن عدا ذلك كان عليه حراما ثمّ قال : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٢) أترى الله ائتمن رجلا على مال خوّل له أن يشترى فرسا بعشرة آلاف درهم ويجزيه فرس بعشرين درهما ويشترى جارية بألف دينار ويجزيه بعشرين دينارا وقال : ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين (٣).
وبالجملة إذا تحقّق العبد في مقام العبوديّة حسب ما ذكره عليهالسلام هانت عليه جميع الطّاعات القلبيّة والقالبيّة والماليّة وهانت عليه جميع الآلام والمصائب لأنّه حينئذ كالميّت بين يدي الغسّال وليس له نظر إلّا إلى العزيز المتعال ، فاندكّت جبل إنيّته واضمحلّت إرادته في إرادته ، فلا يشاء إلّا ما أراد الله ، لصيرورة قلبه وعاء لمشيّة الله ، فيكون سمعه الّذى يسمع به وبصره الّذى يبصر به ، ولسانه الّذى ينطق به كما في الحديث القدسي (٤).
اعلم أنّ الالتفات من الغيبة إلى الخطاب من جملة فنون البلاغة الّتي يتفنّن بها مصاقع البلغاء ، وذلك لأنّه لما كانت الدّنيا دار التّعب والكلال والنّصب والملال وتطوّر الأحوال ، فمن عادة الفصحاء التفنّن في الكلام ، والعدول من طرز إلى طرز ،
__________________
(١) الحديد : ٧.
(٢) الأعراف : ٣١.
(٣) بحار الأنوار : ج ٧٥ / ٣٠٥ ح ٦ عن تفسير العياشي ج ٢ / ١٣.
(٤) البحار : ج ٧٠ / ٢٢ ح ٢١ عن محاسن البرقي ص ٢٩١.