أيّامه باطلا فهذا أوّل درجة التّقى (١) ، الخبر فهذه الأمور الثّلثة الّتي ذكرها عليهالسلام منازل ومراحل يقطعها النّساك والئلّاك في التّوصّل إلى حقيقة العبودية لله سبحانه توصّلا مبنيا تحقيقيا وهي مترتبة متدّرجة من الأدنى إلى الأعلى فأوّلها أن لا يرى العبد لنفسه ملكا ممّا خوّله الله تعالى من الوجود والبقاء والإدراكات والإرادات والآلات والأدوات والأفعال والأعمال والأقوال والأموال وغيرها ممّا ينسب إليه ولو بالنّسبة الجعلية أو يضاف إليه بالاضافات الاعتباريّة ، وبالجملة يرى كلّ شيء منه سبحانه وفي قبضته وإرادته كما قال مولينا الرّضا عليهالسلام هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم ، وبعد كشف السّبحات وسقوط الإضافات ينفتح باب الفؤاد ويبشّر بنيل السّداد وينتهى إلى المقام الثّاني ويرى نفسه في قبضته فالأرض جميعا قبضته وسموات العقول مطويات بيمينه ، فيرى ذاته وحقيقته فائضا من الله قائما بفعله سبحانه قيام صدور ، ولذا لا يدبّر لنفسه شيئا إذا لأمر كلّه لله ، وهو عبد مملوك لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه لا يستطيع لنفسه نفعا ولا ضرّا ولا يملك موتا ولا حيوة ولا نشورا ، فاذا لم يهمّه أمر نفسه وشئون ذاته في صقع التمكين والتكوين ومقام الاستعداد وسائر شؤنه في عالم الملك وعرصة التضادّ ، وشمّر من ساق الجدّ والاجتهاد لطاعة ربّ العباد فيجعل جملة اشتغاله فيما أمره الله به ونهاه عنه ، ويصرف كلّ نعمة من النّعم الّتي أنعم الله بها عليه من القوى الباطنة والظّاهرة والآلات والأدوات والأموال وغيرها من الإضافات فيما خلق لأجله ، وهو حقيقة الشكر الّذي يجب للمنعم الحقيقي على العبيد.
ولذا قال غير واحد من المحقّقين : إنّ العبادة ضرب من الشكر ، بل هو أعلاه وأغلاه ، فيرى العبد حينئذ جميع نعمه من الله فيصرفه فيما أمره به ، لأنّ الله تعالى
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١ / ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ح ١٧.