عباده الذين تابوا إلى الله وأنابوا إليه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١) والقرآن الكريم ساق مثل هذه الآية قريبا تسجيلا لفظاعة جرم الشرك بالله بالنسبة لغيره من المعاصي ، وليس هناك تكرير للآية وإنما هو مبدأ قرآنى وقاعدة مهمة في الدين تذكر عند ما يناسبها كرأى السياسى أو مذهبه الذي يذكره ويكرره في كل خطبة مع ما يناسبه من قول محكم ومعنى دقيق ، ومن يشرك بالله شيئا من الإشراك في القول أو الفعل أو الاتجاه أو التقديس فقد ضل ضلالا بعيدا عن الخير والرشد ، ما يعبدون بدعائهم غير الله إلا أمواتا لا ينفعون ولا يضرون بل (إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٢) وقيل : سماها إناثا لأنها اللات والعزى ومناة ، وما يدعون بذلك إلا شيطانا متمرنا على الإيذاء والخبائث لعنه الله وطرده من رحمته مع الذل والهوان ، فإنه داعية الشر والفساد ، ولذا يقسم : لأتخذن من عبادك جزءا من الناس معينا (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣) وقيل : ما من إنسان إلا وفيه استعداد للخير وللشر ووسوسة الشيطان وهذا معنى (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٤) ولأضلنهم وأصرفنهم عن العقائد الصحيحة والطرق المستقيمة مغريا لهم بالأمانى الباطلة ، كما إذا وسوس لإنسان بارتكاب المعاصي وغره بالمغفرة أو الشفاعة ... إلخ ، من الأمانى الكاذبة ، وهذا ديدن الشيطان وطبعه إضلال العباد وملء عقولهم بالأمانى الباطلة ، ولآمرنهم بكل سوء وضار فليقطعن آذان الأنعام للآلهة كما كانوا يفعلون في البحيرة من شق الآذان أو قطعها.
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله وفطرته التي فطر الناس عليها وهي الاهتداء إلى الحق والدين الصحيح (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (٥) إذ «كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه» (حديث شريف).
وقيل : المراد بتغيير خلق الله الأمور الحسية كالخصاء وغيره ، وقد روى المعنيان عن السلف الصالح ، ومن يتخذ الشيطان وليّا وإماما من دون الله فقد باء بالخسران المبين ، وهل هناك خسران أكثر من ترك هدى القرآن واتباع أساليب الشيطان؟
__________________
(١) سورة الشمس الآيتان ٩ و ١٠.
(٢) سورة الحج آية ٧٣.
(٣) سورة ص الآيتان ٨٢ و ٨٣.
(٤) سورة البلد آية ١٠.
(٥) سورة الروم آية ٣٠.