وما لنا ننكر أن يكون عيسى من غير أب وقد خلق الله آدم من غير أب وأم؟! (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقد خلق الله السماء والأرض بل وجميع المخلوقات في الأصل ابتداء من غير تلقيح ؛ فالأسباب الظاهرة ليست واجبة وجوبا عقليا مطردا ، ونحن نرى كل يوم خوارق للعادات وفلتات للطبيعة فنحار في تعليلها.
وإذا كان الأمر كذلك امتنع على العاقل أن ينكر شيئا ويعده مستحيلا عادة ويذهب في تأويله المذاهب.
ومن أوصاف عيسى أن الله يعلمه الكتابة بالخط والعلم النافع والتوراة وقد كان عيسى عالما بها واقفا على أسرارها ويقيم الحجج على قومه بنصوصها ، وقد علمه الله وأنزل عليه الإنجيل.
وكذلك يرسله رسولا إلى بنى إسرائيل كافة ناطقا ومحتجا على صدق رسالته بأنى أخلق ـ بمعنى أقدر وأصور لا أنشئ وأخترع ـ من الطين هيئة كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأمره لا بإذنى وأمرى ؛ فأنا مخلوق لا أقدر على هذا ، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ، وقد أنكروا عليه ذلك فقال لهم : وأخبركم بما تأكلون في بيوتكم وما تدخرون وتحفظون وهكذا مما لا سبيل إلى إنكاره.
إن في ذلك لآية لكم على صدقى وصدق رسالتي إن كنتم مؤمنين بالله مصدقين بقدرته الكاملة على كل شيء.
وقد أرسل عيسى ابن مريم مصدقا لما تقدمه من التوراة ولم يأت ناسخا لها بل متفقا معها في الأصول العامة في الدين كالتوحيد والبعث ... إلخ.
وإن يكن أرسل ليحل لكم بعض ما حرم عليكم بسبب ظلمكم وعنادكم يا بنى إسرائيل فقد حرم عليهم بعض الطيبات كالسمك والشحم فأحلها عيسى ـ عليهالسلام ـ وجئتكم بآية من ربكم.
فاتقوا الله وخافوه وأطيعونى إن الله ربي وربكم فاعبدوه.
ترى أنه أمرهم بالتقوى والطاعة فيما جاء به عن ربه وختم ذلك بالتوحيد والاعتراف