عليه من العذاب في معصية الله وخلافه ، ليسوا على طباع الإنس والجن أن قلوبهم ربما تميل وترحم من لا يستحق الرحمة.
وذكر أهل التأويل أن قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) رد على أولئك الكفرة الذين قالوا : «إنا لنكفي هؤلاء العدة ـ حين سمعوا (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ـ فنغلب عليهم ، ونخرج من النار» ، فأخبر أنهم ليسوا برجال أمثالكم ، إنما هم ملائكة ، ووصف الملائكة ، وقد روى في الأخبار من هول خلقهم ، وعظمهم ، وشدة بأسهم وبطشهم ، وأن لهب النيران يخرج من أفواههم ، وأن بنيتهم لا تحتمل الحرق والآلام ، وليس على ما عليه بنية البشر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) :
الفتنة : قد يتكلم بها على وجهين :
فتذكر الفتنة ويراد بها المحنة التي فيها الشدة.
وتذكر ويراد بها العذاب.
فإن كان يراد بها العذاب ، فمعناه : أنه جعل العدد الذي ذكر فتنة للكفرة ؛ وهو كقوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣] ، أي : يعذبون.
وإن كان يراد بها المحنة ، فتخرج على وجوه :
أحدها : أي : ما جعلنا ذكر عددهم إلا لافتتان الذين كفروا ، أي : من علم الله تعالى منه أنه يكفر بآيات الله تعالى ، جعل ذلك سببا لفتنته إذا كان في علم الله تعالى أنه ممن يبتغي الفتنة ، فأما من علم أنه ينظر في آيات الله مسترشدا ، فلم يزده ذلك إلا إيمانا وتصديقا](١) ؛ إذ علموا أن لله تعالى أن يمتحنهم بأنواع المحن ، فآمنوا به ، وسلموا ذلك لله تعالى ؛ فيكون في جعل عدتهم تسعة عشر شدة على الكفرة ، إذ كان سبب كفرهم ؛ فلذلك سمى المحنة على هذا الوجه فتنة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بمعنى : على الذين كفروا.
ثم جائز أن يكون ذلك على حدوث الكفر ، وهو في قوم قد آمنوا به ، فلما سمعوا هذا زعموا أن لا حكمة في هذا العدد ، وليس هذا العدد بأولى [من] أن يجعلوا أصحاب النار من العشرين أو من الثمانية عشر ، فكفروا به ؛ وهو كقول موسى ـ عليهالسلام ـ : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥] ، وذلك على حدوث إضلال لهم لم يكن
__________________
(١) من أول قوله : «وفاء ما وعد» إلى هنا سقط في ب.