بل هو راجع إلى كل من يوجد منه فعل السفه ؛ ألا ترى أنه إذا قيل : «كان يقول مسيئنا كذا» ، و «كان يقول فاسقنا كذا» ، لم يعن به فاسق ولا مسيء واحد على الإشارة (١) ؛ بل يراد به كل معروف بالإساءة والفسق ؛ فعلى ذلك قوله (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) ليس بمقتصر على الواحد ، بل هو راجع إلى كل من يوجد منه ذلك.
ثم في هذه الآية دلالة أن النفر الذين استمعوا كانوا مؤمنين ، ولم يكونوا من أهل الكفر ؛ لأنهم لو كانوا أهل شرك ، لكانوا لا يضيفون فعل السفه إلى غيرهم ، ويخرجون أنفسهم منه ، وقد وجد منهم فعل السفه.
ولو كانوا مشركين ـ أيضا ـ لكانوا يقولون مكان هذه الكلمة : «وإنا كنا نقول على الله شططا» ؛ ليكون ذلك منهم توبة ورجوعا عما كانوا فيه من الشرك والكفر ؛ شكرا (٢) بما أنعم الله عليهم من عظيم (٣) النعمة بأن هداهم للإيمان ، لا أن يضيفوا ذلك إلى سفهائهم ؛ فثبت أنهم كانوا مؤمنين.
والشطط : الجور.
وقال بعضهم : هو الكذب.
وقال بعضهم (٤) : الظلم.
والشطط هاهنا الجور ، والجور ما أتوا به من القول الفاحش ، وهو الشرك بالله تعالى ، وهذا يبين أن الجور قبيح في كل الألسن وفيما بين أهل الأديان ؛ ألا ترى كيف سفهوا من يقول على الله تعالى بالجور.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً).
ذكر أبو بكر الأصم أنهم كانوا اعتقدوا أن لله تعالى صاحبة وولدا ؛ بما سمعوا [الجن والإنس](٥) يقولون ذلك ، وكان عندهم أنهم في ذلك صادقون ؛ فذلك المعنى هو الذي حملهم على القول بأن لله تعالى ولدا وصاحبة ؛ فلما ظهر عندهم كذب من يدعي اتخاذ الولد والصاحبة تبرءوا عمن يقول ذلك ؛ فثبت بهذا أنهم كانوا أهل شرك إلى ذلك الوقت ؛ فلما استمعوا إلى قراءة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولاحت لهم الحجج ، وارتفعت عنهم الشبه (٦) ،
__________________
(١) في أ : الإساءة.
(٢) في ب : وشكروا.
(٣) في ب : عظم.
(٤) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٠٦٥).
(٥) في ب : الإنس والجن.
(٦) في أ : الشبهة.