والإنشاء من الله تعالى ، ومن جهة الكسب والفعل للخلق ؛ فمن الوجه الذي تضاف إلى الله تعالى لا يجوز أن تضاف من ذلك الوجه إلى الخلق عندنا ؛ فلا يقع في الخلق تشابه ؛ لأنه لا يتحقق من العباد الفعل من الوجه الذي تحقق من الله تعالى ؛ ألا ترى أنه يضاف الملك إلى الله تعالى ، وإلى الخلق ، ثم لا يقع في ذلك إشراك ؛ لأنه من الوجه الذي يضاف إلى الله تعالى لا يتحقق ذلك الوجه في الخلق ؛ لأن الإضافة إلى الخلق على جهة المجاز والإضافة إلى الله تعالى على جهة التحقيق ؛ فكذلك إضافة الأفعال إلى الله تعالى وإلى الخلق ، لا توجب (١) الشرك ؛ لاختلاف الجهتين ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) ؛ لأن اتخاذ الصاحبة من الخلق ؛ لغلبة الشهوة ، وهو منشئ الشهوات ؛ فلا يجوز أن يغلبه ما هو خلقه ، فيبعثه ذلك على اتخاذ الصاحبة ، وبهذا يرد على من زعم أن الملائكة بنات الله تعالى ، والبنات يحدثن من الصاحبة (٢) ، وهو تعالى لم يتخذ صاحبة ؛ فأنى يكون له بنات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا وَلَداً) فالأصل أن الأولاد يرغب فيهم المرء ؛ لإحدى خصال : إما لما يناله من الوحشة ؛ فيطلب الولد ؛ ليستأنس بهم.
أو يرغب فيهم ؛ لما حل به من الضعف ، فيريد أن يستنصر بهم (٣).
أو لما يخاف زوال ملكه ؛ فيطلب الولد ؛ ليأمن من زواله.
وجل الله سبحانه وتعالى عن أن تلحقه وحشة ، أو يصيبه ضعف ، أو يخاف زوال الملك ؛ فإذا كانت الطرق التي بها يرغب [في اكتساب الأولاد](٤) منقطعة في حقه ، لزم تنزيهه عن اتخاذ الأولاد ؛ ولهذا ما ذكر عند ما نسبته الملاحدة (٥) إلى اتخاذ الأولاد ـ غناه بقوله (سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ) [يونس : ٦٨] ، أي : غني عن كل الوجوه التي تتوجه إلى اتخاذ الأولاد ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً).
فمنهم من ذكر أن سفيههم إبليس (٦) ، وليس هذا براجع إلى الواحد على الإشارة إليه ،
__________________
(١) في أ : يجب.
(٢) في أ : الصحابة.
(٣) في أ : يستنصرهم.
(٤) في ب : في الاكتساب في الأولاد.
(٥) في ب : الملحدة.
(٦) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٥٠٦٣) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٣٠) ، وروي في ذلك حديث مرفوع عن أبي موسى بسند واه ذكره السيوطي في المصدر السابق.