غيرها خيرا منها ، فليأت بالّذي هو خير ، وليكفّر [عن] يمينه» (١)
وعلى ذلك قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ).
ولا يحتمل أن يؤخذ بالعقد وهو به معظّم ربه ، ولكن لمحافظة ما عقدتم الأيمان إذا كانت المحافظة إثما ، وفيما لم يكن فهو في قوله : (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) ، والله أعلم. وإلى هذا يذهب سعيد بن جبير في تأويل الآية (٢).
وقال قائلون : إنه هو الشيء الذي لا حقيقة له نحو اللعب (٣) ، وعلى ذلك (وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] أنهم لم يقصدوا تحقيق أمر يظهرونه ، ولكن قصدوا التلبيس بما ينطق به ما كان ؛ وكذا قيل : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) [مريم : ٦٢] باطلا (٤) ، بل كل ما يسمع فيها هو حق وحكمة.
ثم رجع تأويله إلى وجهين :
أحدهما : فيما يجري على اللسان من غير عقد القلب على ما مرّ به تفسيره.
والثاني : أن يكون الحلف بما لا حقيقة له على ظن أن حقيقة ما حلف عليه الحالف كما حلف ؛ وكذلك روي عن ابن عباس والحسن ـ رضي الله عنهما ـ في تأويل الآية (٥).
ثم لو كانت الآية على التأويل الأول لكانت في رفع المأثم خاصة ، وهو التأويل الذي ذكره سعيد بن جبير ، رضي الله عنه.
وأما الكفارة : فهي لازمة على ما ذكر في الخبر المرفوع في (٦) ذلك ، وبما هي واجبة للحنث في اليمين ولترك الوفاء بالعهد ، والمعنى في الأمرين موجود ؛ لذلك لزمت الكفارة في الوجهين جميعا ، مع ما لا بد من الإلزام فيما أخطأ أو تعمد من حيث لم يكن استثناء حالا منهما صاحبه ، وذلك يبين أن ذلك للحلف في عقد اليمين ، أو لما يخرج الفعل مخرج الاستحقاق إذا قوبل فعله بعقد ، وإن كان المسلم قد عصم عن ذلك الوجه ، فأمر
__________________
(١) تقدم تخريجه في أول السورة.
(٢) أخرجه عنه الطبري (٥ / ١٦) ، رقم (١٢٣٧٥) وما بعده ، وأبو الشيخ وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٢ / ٥٥١).
(٣) قالت عائشة : إنما اللغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، أخرجه أبو الشيخ ، كما في الدر المنثور (٢ / ٥٥٢) ، وابن أبي عاصم وابن وهب في جامعه ، كما في فتح الباري (١٣ / ٤٠٠).
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (١ / ٥٠٠).
(٥) أخرجه الطبري (٢ / ٤١٩) ، رقم (٤٤٠٦) ، عن ابن عباس ، وأخرجه برقم (٤٤٠٩) وما بعده عن الحسن.
(٦) في أ : فما.