هو عليه. كانوا على الوجوه التي ذكرنا ؛ فأمر الله ـ عزوجل ـ أن يقوم على تبليغ رسالته ، وألا يمنعه ما يخشى من مكرهم وكيدهم على قتله ؛ لأن المرء قد يمتنع عن القيام بما عليه إذا خشي هلاكه أو لطلب مودة وصلة. أو يمتنع عن القيام بما (١) عليه إذا كذّب في القول (٢) ، ولحقه أذى لذلك ؛ فأمر الله ـ عزوجل ـ نبيه بتبليغ ما أنزل إليه ، وإن خشى على نفسه الهلاك أو التكذيب في القول ، والأذى وترك طلب الموالاة ، أي : لا يمنعك شيء من ذلك عن تبليغ ما أنزل إليك.
أو أن يكون الأمر بتبليغ الرسالة في حادث الوقت : أن بلغ ما أنزل إليك في حادث الوقت ؛ كما بلغت في الماضى من الوقت.
أو أن يكون الأمر بتبليغ ما أنزل إليه أمرا بتبليغ البيان ، أي : بلغ ما أنزل إليك من البيان كما بلغت تنزيلا ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم : ٤] أخبر ـ عزوجل ـ أنه إنما أرسل الرسل على لسان قومهم ؛ ليبينوا لهم ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
أي : وإن [لم] تبلغ ما أنزل إليك ؛ لما تخشى من الهلاك والمكر بك ـ كان كأن لم تبلغ الرسالة رأسا. لم يعذر (٣) نبيه صلىاللهعليهوسلم في ترك تبليغ الرسالة إليهم ، وإن خاف على نفسه الهلاك ، ليس كمن أكره على الكفر أبيح له أن يتكلم بكلام الكفر ، بعد أن يكون قلبه مطمئنّا بالإيمان إذا خاف الهلاك على نفسه.
ولم يبح له ترك تبليغ الرسالة وإن خشي على نفسه الهلاك ؛ ذلك ـ والله أعلم ـ أن تبليغ الرسالة تعلق باللسان دون القلب ، والإيمان تعلقه بالقلب دون اللسان ؛ فإذا أكره على الكفر أبيح له التكلم به بعد أن يكون القلب على حاله مطمئنا بالإيمان. وأما الرسالة : فلا سبيل له أن يبلغها إلا باللسان ؛ لذلك لم يبح له تركها وإن خاف الهلاك ؛ وهذا يدل لقولنا في المكره بالطلاق والعتاق أنه إذا تكلم به عمل ؛ لتعلقهما (٤) باللسان دون القلب ؛ فالإكراه لا يمنع نفاذ ما تعلق باللسان دون القلب كالرسالة التي ذكرنا ، والله أعلم.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ، أي : لم تبلغ الرسالة في حادث الوقت كأن
__________________
(١) في أ : لما.
(٢) في ب : القوم.
(٣) في أ : يعذب.
(٤) في ب : لأن تعلقهما.