ولو كانوا على مذهب واحد ، ولم يكن بينهم اختلاف وعداوة ـ لكان ذلك عليه أشد ، وفي المقام بينهم (١) أصعب ، لكن منّ عليه بالاختلاف فيما بينهم ؛ لما جعل الاختلاف والتنازع سبب الفشل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ...) الآية [الأنفال : ٤٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ).
يحتمل وجهين :
يحتمل : كلما أرادوا مكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأجمعوا أمرهم على قتله ، أطلع الله نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ على ذلك ؛ حتى لم يقدروا على مكره (٢).
والثاني : كلما انتصبوا للحرب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم واجتمعوا عليه ، فرق الله شملهم ، وجعلهم بحيث لا يجتمعون على ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً)
يحتمل وجهين ـ أيضا ـ :
يحتمل : السعي بالفساد على حقيقة المشي على الأقدام ، وهو ما كانوا يسعون في نصب الحرب مع المؤمنين ، والاتصال بغيرهم من الكفرة ، والاستعانة بهم ؛ فذلك هو السعي في الأرض بالفساد.
والثاني : ما كتموا من نعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصفته وحرفوا ما في كتبهم من أعلام نبوته وآيات رسالته ، ودعوا الناس إلى غير ما نزل فيه ؛ وذلك سعي في الأرض بالفساد ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
لأنه لا يحب الفساد ، ولا يرضى به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
عامل الله ـ عزوجل ـ خلقه معاملة أكرم الأكرمين ؛ حيث وعد لهم المغفرة ، وتكفير ما ارتكبوا في حال الكفر ، وقولهم في الله من القبيح (٣) الوخش ؛ لو آمنوا واتقوا الذي قالوا في الله ؛ وهو كما قال الله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] : وذلك ـ والله أعلم ـ أنه لما تاب ورجع عن صنيعه يرجع عن جميع ما كان منه ، ويندم على ذلك ،
__________________
(١) في ب : منهم.
(٢) في أ : مكروه.
(٣) في ب : القبح.