وعن الحسن قال : كانوا يعمدون إلى قداح فيكتبون على أحدها : «مرني» ، وعلى الآخر : «انهني» ، ثم يحيلونها إذا أرادوا السفر (١) : فإن خرج عليه «مرني» مضى في وجهه ، وإن خرج الذي عليه «انهني» لم يخرج (٢).
قال أبو بكر الكيساني : إن في النهي عن العمل بالأزلام دليل النهي عن العمل بالنجوم ، فإذا نهي عن العمل بقول المقتسمين ينهي ـ أيضا ـ عن العمل بقول المنجّمة ؛ لأنهم يقولون عين ما يقول أولئك ويعملون به ، لكن المنجمة ليسوا يقولون : إن نجم كذا يأمركم (٣) كذا ، ونجم كذا ينهى عن كذا ؛ على ما كان يفعل أولئك (٤).
ويجوز أن يكون الله ـ عزوجل ـ جعل في النجوم أعلاما ومعاني يدركون بها ، ويستخرجون أشياء تحتمل ذلك ؛ ويكون على ما يستخرج أهل الاجتهاد بالاجتهاد أشياء من معنى النصوص ، وأحكاما لم تذكر في المنصوص ؛ فعلى ذلك المنجمة يجوز أن يستخرجوا أشياء من النجوم بدلائل ومعان تكون في النجوم ، ولا عيب عليهم في ذلك ولا لائمة ، إنما اللائمة عليهم فيما يحكمون على الله ويشهدون عليه.
قال القتبي (٥) : الأزلام : القداح ، واحدها : زلم وزلم ، بها : أن يضرب ، فأخذ الاستقسام من القسم ـ وهو النصيب ـ [كأنه طلب النصيب](٦).
قال أبو عوسجة : استقسمت ، أي : ضربت بالقداح ؛ قال : كأنه من القسم.
وقال أبو عبيد (٧) : إنما سمى : استقساما ؛ لأنهم كانوا يطلبون قسم الرزق وطلب
__________________
(١) في تفسير الطبري ، والدر المنثور : إذا أرادوا أمرا أو سفرا. وفي أ : إذا أرادوا الأمر.
(٢) أخرجه الطبري (٩ / ٥١١) ، رقم (١١٠٦٠) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٢ / ٤٥٥) بأطول من هذا.
(٣) في ب : يأمر.
(٤) قال بنحوه الزجاج في معانيه (٢ / ١٦٠) ، وأبو جعفر النحاس في معاني القرآن (٢ / ٢٥٩).
(٥) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، أبو محمد ، من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين ، ولد ببغداد سنة ٢١٣ ه ، وسكن الكوفة ، ثم ولي قضاء الدينور مدة ؛ فنسب إليها. من كتبه : تأويل مختلف الحديث ، والإمامة والسياسة ، ومشكل القرآن ، وغير ذلك. توفي سنة ٢٧٦ ه. ينظر : وفيات الأعيان (١ / ٢٥١) ، ولسان الميزان (٣ / ٣٥٧).
(٦) سقط من ب.
(٧) هو القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي ، أحد أئمة الإسلام فقها ولغة وأدبا ، أخذ العلم عن الشافعي ، والقراءات عن الكسائي وغيره. قال ابن الأنباري : كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا : فيصلى ثلثه ، وينام ثلثه ، ويصنف ثلثه. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد : عرضت كتاب «الغريب» لأبي عبيد على أبي فاستحسنه ، وقال : جزاه الله خيرا. توفي سنة ٢٢٤ ه.
ينظر : طبقات ابن قاضي شهبة (١ / ٦٧) ، طبقات ابن سعد (٧ / ٣٥٥) ، إنباه الرواة (٣ / ١٢) ، طبقات الشافعية للإسنوي (ص / ١١) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٣٠) ، طبقات الفقهاء للعبادي (ص / ٢٥).